في شقق لم تُبنَ وفيلات لم تُسلَّم، وأموال دفعت بالكامل تبخرت في الهواء، يجد آلاف المصريين أنفسهم محاصرين بين وعود كاذبة لمطورين عقاريين وجدران لا رحمة فيها من القانون.
من القاهرة إلى الساحل الشمالي، مروراً بدمياط والعين السخنة، تتكرر القصص نفسها وهي مشاريع معلقة، مواعيد مستحيلة، وعقود تُفسخ من جانب واحد.
المواطن الذي حلم بالاستثمار في وحدة سكنية أو فندقية مفروشة، تحول حلمه إلى كابوس، وسط غياب الردع القانوني الفوري وغياب آليات الرقابة الفعالة.
ضحايا مشروع “نيوجيرسي”
سهير يحيى، إحدى المتضررات، تروي تفاصيل تجربتها مع مشروع نيوجيرسي للتطوير العقاري وتقول إنها تعاقدت في 2020 على وحدة سكنية فندقية مفروشة بالكامل، وسددت 30% من قيمتها بما يعادل مليون جنيه، ثم دفعت دفعتين إضافيتين خلال عامي 2022 و2023، بينها دفعة الاستلام.
لكن المفاجأة أنها لم تشهد أي بناء للعمارة التي تحتوي وحدتها. وتشير سهير إلى أن عقدها تضمن عقد تفويض إيجار يمنح المالك عائداً يغطي من 10 إلى 15% من قيمة القسط، “لكن ذلك لم يحدث”، مضيفة أن الشركة أخطرتها في 2023 بضرورة دفع أقساط جديدة لم يكن العملاء ملزمين بها، قبل أن تفسخ التعاقد من جانبها لإعادة بيع الوحدات بأسعار أعلى.
ولم تكن سهير وحدها؛ إذ تجاوز عدد المتضررين 250 عميلًا، لجأوا جميعاً للقضاء بسبب تأخر التسليم وعدم الالتزام بشروط التعاقد، في مشروعات عدة مثل Green Avenue، الذي لم يُنفذ منذ 2018، وGenesis Tower الذي لم تتجاوز نسبة التنفيذ فيه 7%، إضافة إلى مشروع Jura في العين السخنة الذي لم يشهد أي تطورات رغم منح الشركة مهلة إضافية.
أزمة جمعية ضباط الأمن
لم تقتصر الأزمة على الشركات الخاصة، بل شملت الجمعيات التعاونية.
المحامية غادة البنا، وكيلة المتضررين من مشروع كمبوند هافانا بدمياط الجديدة، وصفت الوضع بـ “كارثة عقارية” نفذتها جمعية الصقر للبناء والإسكان للضباط العاملين بمديرية أمن دمياط.
تقول البنا إن المشترين وثقوا في الجمعية لأنها تضم ضباط شرطة، بينهم لواءات على المعاش وآخرون بالخدمة، وسددوا كامل أسعار الوحدات منذ 2016 على أن يبدأ التسليم في 2021.
لكن في أغسطس 2024، فوجئ المشتركون أثناء تشطيب وحداتهم بطردهم بالقوة ومنعهم من دخول الكمبوند، بحجة انتخاب مجلس إدارة جديد.
وطالبت البنا بتدخل عاجل من الجهات المسؤولة، خصوصاً أن جهاز دمياط الجديدة أرسل إنذارات بسحب الأرض، رغم أن الملاك سددوا كل المستحقات، وكان من المفترض أن تقوم الجمعية بتسديد مستحقات الجهاز وتوصيل المرافق، وهو ما لم يحدث.
“سبع سنوات دون شقة”
في شهادة أخرى، قال محمد علي، أحد عملاء شركة الصديق للتطوير العقاري، إنه اشترى شقة منذ 7 سنوات، لكنه لم يحصل عليها أو يسترد أمواله. واصفاً تعامل الشركة بالتجاهل التام لكل محاولاته للتسوية أو التواصل.
اتهامات لشركة الأهلي صبور
أما في الساحل الشمالي، يروي ملاك مشروع سمر الساحل الشمالي، المنفذ من شركة الأهلي صبور، أنهم وقعوا ضحية “عملية نصب واحتيال عقاري مكتملة الأركان”.
الملاك تعاقدوا على وحدات ضمن مشروع ضخم على مساحة 864 فداناً وفق إعلانات رسمية و”ماستر بلان” معتمد، قبل أن يُفاجئوا بتقليص مساحة المشروع إلى 430 فداناً فقط، دون صدور أي تصاريح أو مخطط نهائي.
وأضافوا أن الشركة رفضت رد أموال الحاجزين رغم المطالبات المستمرة، مؤكدين أن التعامل داخل الشركة اتسم بالتعنت وسوء المعاملة، ووصل الأمر إلى اعتداء لفظي من بعض الموظفين.
إعمار رزق.. نفوذ السياسي وتأجيلات مستمرة
ولم يسلم عملاء شركة إعمار رزق جروب ERG – برئاسة محمد رزق، عضو مجلس الشيوخ عن حزب مستقبل وطن – من التلاعب ذاته، حيث قالوا إنهم واجهوا تأخيرات ممنهجة وتغييرات جذرية في التصميمات، وتهديدات صريحة عند المطالبة بحقوقهم.
يقول أحد الملاك: “تعاقدنا مع الشركة منذ 2020، وبعضنا في 2021، انتظرنا بداية البناء ولم يحدث شيء، ومع ذلك استمررنا في دفع الأقساط، وكانت الوعود الكاذبة تتكرر بأن التنفيذ سيبدأ غداً”.
لكن المفاجأة الكبرى كانت في تغيير المخطط العام بالكامل، بهدف إضافة وحدات جديدة في كل طابق من برجي “دايموند 1″ و”دايموند 2” لتحقيق أرباح إضافية بمليارات الجنيهات.
ويضيف: “عندما ذهبنا لاستلام وحداتنا في الموعد المحدد عام 2024، أخبرتنا الشركة أن الاستلام تأجل إلى 2026”.
مخالفة لتوجيهات السيسي
رغم هذه التجاوزات، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي في أغسطس 2021 بعدم الإعلان عن أي مشروع سكني إلا بعد تنفيذ 30% منه، قائلًا:“الإعلان عن أي سكن لا بد يكون خلصان 30% منه”.
في المقابل، أصدر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في 16 يونيو 2022 قراراً بضوابط بيع الوحدات، نصت المادة الخامسة على منح المطور مهلة 12 شهراً إضافية، قابلة للتمديد إلى 24 شهراً، مع إتاحة خيارين للعميل، وهما استمرار العقد أو استرداد الأموال خلال 3 أشهر.
لكن القرار أثار جدلاً واسعاً لأنه لم يتضمن أي غرامات أو تعويضات للمشتري، ومنح المطور مساحات كبيرة لتأخير التسليم دون مساءلة حقيقية.
أحكام قضائية ضد النصابين
رغم ذلك، بدأت بعض الأحكام القضائية في وضع حد للممارسات المخالفة.
وأصدرت المحكمة الاقتصادية في 6 مايو 2025 حكماً بحبس مالك شركة “معمار الحمد” لمدة 3 سنوات وغرامة 50 ألف جنيه، بعد تورطه في النصب والاحتيال على مواطنين بمبالغ بلغت 10 ملايين جنيه، مع إلزامه برد الأموال لأصحابها.
الجهات المختصة بالفحص والتحقيق
من جهته، أكد المحامي محمد فرحات، المتخصص في قضايا الاستثمار والعقارات، أن الملاك يمكنهم تقديم بلاغ للنائب العام وفق المادة 336 من قانون العقوبات، إضافة إلى دور جهاز حماية المستهلك في قضايا الإعلانات المضللة أو تغيير مواصفات المشاريع دون موافقة العملاء.
وأضاف فرحات أن الملاك يملكون الحق في رفع دعاوى مدنية أمام المحكمة الاقتصادية للمطالبة بفسخ العقود واسترداد الأموال والتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية.