أثارت عملية تقسيم مناطق الإيجار القديم في عشر محافظات بين “متميزة” و”متوسطة” و”اقتصادية” موجة غضب بين المستأجرين، بعد زيادات قد تصل لعشرات أضعاف الإيجار الحالي.
اللجان الحكومية اعتمدت في تقييمها على بيانات ضريبية جزئية فقط، مستبعدة آلاف الوحدات غير المسجلة، ما يزيد المخاطر القانونية ويضع المواطنين أمام أعباء مالية كبيرة، في ظل عشوائية إدارة الملف واستحالة رصدها ميدانياً.
على إثر ذلك، شهدت محكمة القضاء الإداري دعوى قضائية تطعن في تصنيفات الإيجار القديم، معتبرة أن القرار يعتدي على حق السكن المكفول قانونًا، وأجلت المحكمة نظر القضية إلى 21 فبراير 2026.
غضب المواطنين
ورغم التكتم على عشوائية لجنة الحصر، انتقد مستخدمو منصات التواصل الاجتماعي سرعة إنهاء الحصر دون تغطية ملايين الوحدات، وقال المواطن وجدي غالي: “كله بسرعة بسرعة بسرعة وسلق بيض ممشش”.
وقالت المواطنة نيفين الغرباوي: “في إجحاف لناس كتير، منطقتان مختلفتان مصنفتان متميز، والزيادات غير عادلة”.
ودعت هدى محمد: “ربنا المنتقم الجبار”، وقالت هدي العقبي: “حتى لو المعاش عشر أضعاف، سنظل ندفع الإيجار”.
وتساءلت علا حميد: “كيف تصنف لجان الحصر منطقتنا اقتصادية رغم عدم وجود أي أماكن متميزة، مع فرض زيادات تصل لعشرين ضعف؟”.
وأكد طارق عرابي: “لم نر لجاناً ولم يتم المعاينة، والحكومة لا ترى الشعب”.
ظلم كبير
تلك الشكاوى التي لم ترد الحكومة عليها، يؤكدها الواقع، وكشف مسؤول في مديرية الإسكان بمحافظة القاهرة لموقع “مدى مصر” أن عملية الحصر معيبة وتعتمد على البيانات الضريبية فقط، ما يستبعد أكثر من نصف الشقق والمحلات المؤجرة بنظام الإيجار القديم.
وأضاف المسؤول أن الشقق غير المسجلة ضريبياً تعاملت معها اللجان كأنها غير موجودة، ما يجعل تقدير القيمة الإيجارية غير دقيق وقد يفرض زيادات غير عادلة على المواطنين.
وهذه المخاوف أكدها مسؤول سابق في الجيزة، وكذلك شريف الجعار رئيس اتحاد مستأجري الإيجار القديم، مشيراً إلى أن القرار سيعرض آلاف الأسر للخطر بسبب تجاهل التنوع الطبقي والمعماري للمناطق.
وأوضح المحامي أيمن عصام أن غرفة صغيرة في زقاق ضيق قد تدفع إيجاراً أعلى من شركة على شارع رئيسي، مشيراً إلى أن الزيادات في مناطق مثل المهندسين لا تراعي الفروقات بين الشوارع والمساحات.
وانتهت لجان حصر قانون الإيجار القديم من اعتماد وتقسيم المناطق في محافظات “الجيزة، الشرقية، الدقهلية، المنيا، قنا، الأقصر، الإسماعيلية، أسوان، وكفر الشيخ”، فيما تواصل باقي اللجان حصر المحافظات الأخرى، لكن في التفاصيل كارثة منتظرة.
موقف الحكومة وخططها المعلنة
ورغم تصاعد الانتقادات حول آليات الحصر والتصنيف، تبرر الحكومة هذه الإجراءات بأنها خطوة انتقالية لمعالجة التشوهات التاريخية وتحقيق قدر من العدالة بين الملاك والمستأجرين بعد عقود طويلة من ثبات القيمة الإيجارية.
وتشير وزارة الإسكان إلى أن القرارات النهائية ستكون قابلة للمراجعة بعد الانتهاء من الحصر الكامل وتلقي ملاحظات المواطنين، كما ستعلن المحافظات آليات واضحة لتقديم التظلمات فور نشر النتائج.
الكارثة بساحة القضاء
وعقب جلسة قضائية يوم 22 نوفمبر، قال محامون إن محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة نظرت في الدعوى القضائية التي تطعن في القرار رقم 2789 لسنة 2025 بشأن عمل لجان الحصر والتصنيف وتحديد القيمة الإيجارية، وطلبت وقف تنفيذه وإحالة المواد 3، 4، 5، 8، 9، 10 من القانون إلى المحكمة الدستورية العليا.
وقررت المحكمة التأجيل لجلسة 21 فبراير 2026. وتشير مذكرة الدعوى إلى أن القرار فرض التزامات مالية جديدة وزيادات كبيرة دون مراعاة القدرة المعيشية للمواطنين، ما يشكل تعديًا على حق السكن.
كيف يتم التصنيف؟
وفقا للقانون، يتم التصنيف عبر لجان الحصر، التي يتم تشكيلها بقرار من المحافظ المختص في كل محافظة، لمهمة تقسيم المناطق التي تشمل وحدات إيجار قديم إلى ثلاث فئات رئيسية: متميزة، ومتوسطة، واقتصادية.
ويعتمد هذا التقسيم على مجموعة من المعايير أبرزها الموقع الجغرافي وطبيعة الشارع ومستوى البناء ومواد التشييد ومساحات الوحدات، إلى جانب توفر المرافق والخدمات العامة مثل المياه والكهرباء والغاز والاتصالات، وشبكة الطرق ووسائل المواصلات، وكذلك الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية في نطاق المنطقة.
ويعد هذا التصنيف حجر الأساس في تحديد القيمة الإيجارية الجديدة، حيث ستختلف قيمة الزيادة وفقاً لطبيعة المنطقة، وهو ما يهدف إلى تحقيق عدالة نسبية تراعي اختلاف مستويات السكن والخدمات والبنية التحتية بين المناطق المختلفة داخل المحافظة الواحدة.
من المقرر أن تصدر قرارات المحافظين النهائية بنتائج الحصر والتصنيف، ويتم نشرها رسمياً في الوقائع المصرية وإعلانها من خلال وحدات الإدارة المحلية، بما يتيح لكل مواطن الاطلاع على تصنيف منطقته والقيمة الإيجارية المستحقة.
وخلال فترة عمل اللجان الحالية، حدد القانون قيمة إيجارية انتقالية مؤقتة يلتزم المستأجر بسدادها، تبلغ 250 جنيهاً شهرياً، لحين إعلان التصنيفات النهائية. وبعد صدور قرار المحافظ، تبدأ الزيادات الرسمية التي حددها القانون وفقاً لنوع المنطقة.
ففي المناطق المتميزة، تصبح القيمة الإيجارية عشرين ضعف القيمة الحالية وبحد أدنى ألف جنيه شهرياً، بينما ترتفع الإيجارات في المناطق المتوسطة إلى عشرة أضعاف بحد أدنى 400 جنيه، وفي المناطق الاقتصادية إلى عشرة أضعاف أيضاً وبحد أدنى 250 جنيها، كما يلتزم المستأجر بسداد أي فروق في القيمة بأقساط شهرية تساوي المدة التي استحقت عنها هذه الفروق، تجنباً لأية أعباء مالية مفاجئة على الأسر.
وحسب المادة الرابعة من القانون، بات كل مستأجر أو من امتد إليه عقد الإيجار، بدءاً من اليوم التالي لنشر قرار المحافظ، مطالباً بسداد الفروق المستحقة بين القيمة الإيجارية التي حددها القانون بواقع 250 جنيهاً شهرياً لحين انتهاء لجان الحصر من عملها، والقيمة الإيجارية الجديدة وفقاً للقرار، وذلك على أقساط شهرية خلال مدة مساوية للمدة التي استحقت عنها.
وحدد القانون الذي دخل حيز التنفيذ أغسطس الماضي فترة انتقالية سبع سنوات تنتهي بعدها العلاقة الإيجارية في الأماكن المؤجرة للأشخاص الطبيعيين لغرض السكن، وخمس سنوات لغرض غير السكن، مع إلزام المستأجر بإخلاء العين المؤجرة وردها إلى المالك بنهاية هذه الفترة.
وبموجب القانون ذاته تُرفع إيجارات الوحدات السكنية على مستوى الجمهورية تدريجياً على مدار السنوات السبع المقبلة، وبعدها يحق للمالك إخلاء الوحدة وتحديد القيمة الإيجارية وفق ما يشاء.
ورغم تلك الكارثة الكبيرة التي تجاهلها المشرع ولجان الحصر، يبدو أن المواطنين ينتظرون أعباء مالية كبيرة في الأشهر المقبلة رغم ما يرونه من أزمة اقتصادية وحصر عشوائي وحكومة لا تؤدي دورها على أكمل وجه.