جنون الأسعار يضرب سوق الحمير.. تصدير الجلود وضعف الرقابة يشعلان الأزمة

وقف المزارع ماهر صبوحة في سوق إسنا بمحافظة الأقصر وسط صخب السوق، محاطاً بالحمير والمشترين المترددين، مصراً على بيع حماره بأعلى سعر ممكن، ويدرك أن كل تفاوض وكل خطوة قد تحدد ما إذا كان سيحقق السعر الذي يراه عادلاً، ويعتبر كل تفاوض معركة صامتة على قيمة الحيوان.

لم يكن ماهر المزارع الوحيد الذي يواجه هذا الواقع، في نفس السوق، كان المعلم علي يعرض ثلاث حمير بأسعار مختلفة، تراوحت بين 25 و35 ألف جنيه، بينما عرض شخص آخر حماره بسعر أقل، 21 ألف جنيه.

حمار “نوكيا”

وفي المنصورة، عرض الحاج عبدالحليم من محافظة الغربية حماره للبيع بـ50 ألف جنيه، مداعباً المشترين بقوله إنه حمار “نوكيا”.

وفي مقطع مرئي آخر على موقع “الفيس بوك، وقف أحد المزارعين لبيع حماره طالباً فيه 30 ألف جنيه. فيما ظهر شخص آخر في سوق الزقازيق بمحافظة الشرقية عارضا بيع حماره بنفس السعر، وفي نفس السوق رفض أحد المزارعين بيع حمار مستورد بأقل من 40 ألف جنيه.

 

الجودة والنوع

وعلق المواطن عز زيدان على أسعار الحمير قائلاً:”إن سعر الحمار في مصر حالياً يتراوح بين 5 و50 ألف جنيه، حسب الجودة والنوع، فهناك أنواع مختلفة مثل الحمار البلدي الذي يصل سعره إلى 3700 جنيه، والحمار المهر الحلبي الذي يصل سعره إلى 2500 جنيه، والحمار الغرباوي الذي يصل سعره إلى أكثر من 50 ألف جنيه”.

من جانبه، قال عبدالحميد، تاجر حمير من محافظة الغربية، إن أسعار الحمار العادية تتراوح بين 25 و35 ألف جنيه.

وفي تفسيره لتفاوت الأسعار، أوضح الدكتور هاني التمساح، الطبيب البيطري بالدقهلية، أن الحمار طويل القامة أغلى لأنه أكثر قدرة على الجر والحمل، وأن السلالات المهجنة أغلى وأفضل من المحلية بسبب الصفات الوراثية الجيدة، خاصة فيما يتعلق بالحجم والتحمل.

 

أسباب ارتفاع الأسعار

يعد الطلب الكبير على تصدير جلود الحمير المصرية للصين، أحد العوامل الأساسية لارتفاع أسعار الحمير ، بحسب إبراهيم نجم، تاجر جلود، مشيراً إلى أن مصر تصدر 8 آلاف جلد سنويًا

ولفت نجم إلى وجود سوق سوداء يصل فيها سعر الحمار المصري إلى حوالي ألف دولار، مما جعل التجارة مربحة للغاية.

وأرجع نجم ارتفاع الأسعار أيضًا لعودة المزارعين لاقتناء الحمير بسبب ارتفاع أسعار المحروقات وقطع غيار الدراجات البخارية.

كما كشف سبب الإقبال الصيني على الحمير المصرية باعتبارها الأفضل عالمياً لمناعتها العالية ورخص سعرها.

بحسب دراسة علمية نشرتها مجلة “العلم”، اعتمد التجار الصينيون قبل 2019 على جلود الحمير من البلدان النامية لتصنيع عقار “إيجياو”، أحد الأدوية الصينية التقليدية الشائعة.

بينما توقعت منظمة “Donkey Sanctuary”، مؤسسة خيرية دولية لرعاية الخيول في المملكة المتحدة، انخفاض عدد الحمير عالمياً إلى النصف خلال خمس سنوات، مما يهدد السلالات النادرة ووسائل النقل الحيوية للفقراء، في ضوء تنامي الطلب الصيني على استيراد الحمير.

من جهتها كشفت منظمة صحة الحيوان الدولية أن 1.8 مليون حمار يُذبح سنويًا لتجارة الجلود، وأن مصر من أكثر الدول تأثرًا، في حين يبلغ عدد الحمير حول العالم 44 مليوناً.

 

ضعف الرقابة وتفاقم الأزمة

ورغم القوانين والإجراءات المتعلقة بتصدير جلود الحمير، يشير الواقع إلى وجود قصور واضح في آليات الرقابة التنفيذية على هذا الملف الحيوي.

ففي تصريحات حديثة، أكد الدكتور مجدي حسن، نقيب الأطباء البيطريين، أن تصدير جلود الحمير إلى الصين ساهم في ندرة أعداد الحمير في السوق المصري، موضحاً أن البعض يقوم بأخذ الحمير لتسلخ جلدها ثم يرمون الجثة في أي مكان، ما يعكس عمليات غير منظمة وغير خاضعة لإشراف صحي واضح.

وأضاف حسن أن الرقابة على تصدير الجلود غير كافية ولا تُنفذ بصورة فعالة، قائلاً إنه “لا يرى رقابة معينة تُطبَّق على هذا الموضوع، وده محتاج إعادة نظر فيه”.

 

تراجع أعداد الحمير بمصر

وحول أعداد الحمير، كشف حسين أبوصدام، نقيب الفلاحين، عن تراجع أعداد الحمير في مصر من 3.2 مليون عام 2014 إلى نحو مليون حمار بحلول 2025. وأوضح أن جلد الحمار الواحد يُصدر إلى الصين بأسعار تتراوح بين 300 و600 دولار، وأحيانًا يصل إلى 1000 دولار، مما دفع بعض التجار لذبح الحمير بكميات كبيرة قانونيا وغير قانونيا.

وحذر أبوصدام من تسرب لحوم الحمير للمطاعم، مؤكدا أنه يجب دفن الحمير صحيًا بعد الحصول على جلدها أو بيعها لحدائق الحيوان، مشيرًا إلى ضبط أكثر من قضية مؤخرا لمخالفين. كما ناشد بالرفق بالحمار والحفاظ عليه من الانقراض، ونشر ثقافة توضح أهميته.

واقترحت جمعيات مثل “الملاذ الآمن للحمير” وجمعية رعاية الدواب وقف التصدير الرسمي لجلود الحمير للحد من الذبح غير الشرعي.

 

حظر الذبح للاستخدام الآدمي والسماح بتجارة الجلود

يحظر القانون المصري ذبح الحمير للاستهلاك الآدمي بموجب قرار وزير الزراعة رقم 517 لسنة 1986، ويقيد الذبح بالمجازر الرسمية فقط، وتنص المادة (3) على أن لا يجوز الذبح لغرض الاستهلاك الآدمي سوى للأبقار والجاموس والماعز والجمال والخنازير والدواجن.

من يثبت قيامه بالذبح يعاقب وفق المادة (357) بالحبس حتى ستة أشهر أو غرامة حتى 200 جنيه، وبيع اللحوم يعتبر غشًا تجاريًا تصل عقوبته إلى السجن 3 سنوات وغرامة مالية.

وتسمح الدولة بتجارة جلود الحمير طبقاً لقرار وزارة الصناعة والتجارة رقم 692 لسنة 2012، مع تصدير 8000 جلد سنويًا، وموافقات فردية من الهيئة العامة للخدمات البيطرية لكل شحنة.

تنص المادة الأولى على أن جلود الحمير تُستثنى من الحظر ضمن الكمية المحددة مع إصدار الموافقات لكل شحنة على حدة.

وفي خضم هذه الفوضى التي تحكم سوق الحمير في مصر، يبدو أن الأزمة تجاوزت كونها مجرد ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، لتتحول إلى ملف متعدد الخيوط تتداخل فيه التجارة المحلية، والتصدير الخارجي، وضعف الرقابة، وتراجع أعداد الحيوان الذي كان يوما جزءًا أساسيا من حياة الريف.

 

 

 

أضف تعليقك
شارك