جلست إيمان هيبة، الموظفة الحكومية التي انتقلت منذ ثلاث سنوات إلى العاصمة الإدارية الجديدة دعماً لخطة الدولة لتعمير المدينة، أمام هاتفها بترقّب شديد.
كانت تنتظر رسالة تخصيص وحدتها السكنية بعد سنوات من الانتقال والتضحيات، لكن الهاتف ظل صامتا. لم تصلها أي رسالة، بينما كانت رسائل التخصيص تصل إلى زملائها واحدًا تلو الآخر.
وقالت إيمان بصوت يجمع بين الغضب والحزن: “كان حلمي أن أستقر بالقرب من عملي، وأُربّي أطفالي دون التنقّل اليومي لساعات طويلة. لكن الوحدات ذهبت لآخرين، منتدبين أو حديثي التعيين، بينما نحن الأَولى بناءً على سنوات خدمتنا وأقدميتنا”.
لم يكن هناك رفض رسمي، ولا أي تفسير لاستبعادها، فقط صمت الهاتف الذي بدا كافياً لتحطيم كل أحلامها بالاستقرار قرب عملها.
ولم تكن وحدها؛ فآلاف الموظفين الذين انتقلوا إلى العاصمة الإدارية عاشوا الصدمة ذاتها، إذ تلاقت الوعود الرسمية مع واقع مليء بالارتباك والخيبة، فتحولت أحلام الحصول على وحدة سكنية مستقرة إلى مجرّد صمت يصدح في هواتفهم.
غموض المعايير وقوائم الاحتياطي
توضح إيمان أن الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة أجرى استبيانا طلب فيه من الموظفين تحديد رغباتهم السكنية.
وقالت: “اخترنا جميعاً الحصول على وحدة سكنية، وانتقلنا بأسرنا وسكنا بالإيجار بالقرب من العاصمة دعماً لخطة الدولة لتعميرها”.
وأضافت: “فوجئنا يوم الأحد 12 أكتوبر بإرسال رسائل التخصيص الأولية لزملاء غير مُعيّنين على موازنة الدولة، وآخرين قاربوا سن المعاش، بينما تم استبعاد الفئة الأكبر من العاملين الدائمين بين سن 40 و55 عاماً، دون توضيح المعايير التي تمّ الاختيار بناء عليها”.
وتابعت: “بيننا المتزوج والأرمل والمطلقة، وجميعهم يعولون أسراً، وكانوا ينتظرون هذه الفرصة منذ سنوات”.
من وعود الإسكان إلى قوائم الاحتياطي
مروة، موظفة بمصلحة الضرائب العقارية التابعة لوزارة المالية، تحمل قصة مشابهة، حيث كانت من أوائل المنتقلين إلى العاصمة منذ يونيو 2023، وخضعت لاختبارات ودورات تدريبية منذ عام 2019.
وقالت مروة: “شاركت في الاستبيانات الخاصة بالبدل السكني أكثر من مرة، في أكتوبر 2021، وأغسطس 2023، ويناير 2025، واخترت الحصول على شقة في مشروع زهرة العاصمة”.
وأضافت: “تلقيت رسالة في أبريل 2022 تفيد بمدّ فترة سداد مقدمات الحجز، لكن حين ذهبت للدفع أُبلغت أنني في قائمة الاحتياطي، رغم أنني كنت ضمن المرحلة الأولى واسمي كان موجودًا. ولم يتم إدراجي في المرحلة الثانية رغم أقدميتي وانتقالي الفعلي”.
وقال سمير مجاهد، موظف آخر بالعاصمة الإدارية، في مجموعة “يوميات موظف في العاصمة الإدارية” على موقع فيسبوك: “صدقوني، إحنا مش زعلانين إن في زملاء وصلهم حقهم، إحنا زعلانين إن في معايير ظلمتنا”.
وتكشف شهادات أخرى عن حجم المشكلة، فالكثير من الموظفين الدائمين لم تُدرج أسماؤهم ضمن القوائم رغم سنوات خدمتهم الطويلة وانتقالهم الفعلي منذ أعوام.
احتجاجات الموظفين
على خلفية هذه الوقائع، نظم عدد من العاملين المنتقلين إلى العاصمة وقفة احتجاجية أمام وزارة الإسكان، اعتراضاً على ما وصفوه بـ”الاستبعاد غير المبرّر” من المرحلة الثانية لتخصيص الوحدات السكنية للعاملين بالجهاز الإداري للدولة ضمن مشروع زهرة العاصمة.
رفع المحتجون مطالبهم بتمكينهم من الحصول على وحدات سكنية أسوة بزملائهم، مؤكدين أن السكن قرب مقار العمل كان أحد الحوافز الأساسية لقبول الانتقال منذ بدء الخطة عام 2021.
وفي مواجهة هذا الغضب، قرر المهندس شريف الشربيني، وزير الإسكان، فتح باب التظلمات للعاملين للحصول على وحدات سكنية، مؤكدًا أن الوزارة تدرس توفير مرحلة ثالثة من الشقق.
وكان وزير الإسكان السابق، الدكتور عاصم الجزار، قد كشف في اجتماع لمجلس الوزراء عام 2022 عن الانتهاء من تنفيذ نحو 13 ألف وحدة سكنية بمدينة بدر، وجارٍ تنفيذ 20 ألف وحدة أخرى ضمن خطة إسكان الموظفين المنتقلين.
التخبط الإداري والاختبارات
رغم الخطط الرسمية، تأخر نقل الوزارات منذ منتصف عام 2019، وكان من المفترض أن يكتمل في 2020، ما أوجد فجوة كبيرة بين التخطيط والواقع.
بدأت اختبارات الموظفين المؤهلين للانتقال في يونيو 2021، واستمرت حتى أوائل 2022، وشملت تقييم القدرات الوظيفية، والمهارات الرقمية، والمعرفة المؤسسية، ومهارات اللغة والتواصل.
وبلغ عدد الموظفين الذين خضعوا للاختبارات الإلكترونية نحو 120 ألف موظف من مختلف الوزارات، إلا أن عدد من انتقلوا فعلياً إلى العاصمة لم يتجاوز 55 ألف موظف، وفق احتياجات الجهات الإدارية، بحسب ما قاله المهندس حاتم نبيل، رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، في أغسطس 2025.
هذا الفارق الكبير بين من اجتازوا الاختبارات ومن تمّ نقلهم فعليا أبرز حالة التخبط الإداري وفشل المعايير في تحقيق العدالة.
وشهدت بعض الحالات وصول روابط وكلمات مرور تحتوي على تفاصيل ترتيب الموظفين، وتقديم وحدات سكنية بمشروعات أخرى مثل سكن مصر، في حين بقي بعض الموظفين دون أي معلومات، ما زاد من إحباطهم.
أرقام واستثمارات ضخمة… لكن على حساب الموظفين؟
على الرغم من أن العاصمة الإدارية تمثل استثمارًا استراتيجيًا ضخمًا للدولة، فإن حجم الإنفاق الهائل لم ينعكس على إدارة ملف الموظفين بعدالة.
ووفقًا لتصريحات خالد عباس، رئيس شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية، تجاوزت الاستثمارات المنفذة 700 مليار جنيه، وتتحمّل الحكومة نحو 6 مليارات جنيه سنويًا للإيجارات وفواتير الكهرباء والمياه، في حين تبلغ مساحة العاصمة نحو 714 كم².
لكن رغم هذا الإنفاق الضخم، يبقى آلاف الموظفين الذين انتقلوا فعليًا منذ سنوات يعانون من التأخر في تخصيص الوحدات السكنية، وقوائم الاحتياطي، والغموض في المعايير.