في مشهد التقطته كاميرات المراقبة بشارع فريد الأطرش في حي عين شمس بالقاهرة قبل أيام، حاول شخصان يستقلان دراجة نارية خطف حقيبة من أحد المارة.
ترجّل أحدهما بسرعة ممسكاً بالحقيبة بقوة، لكن المواطن تمسك بها هو الآخر ودافع عن نفسه بضراوة، حتى تمكّن من إسقاط اللص أرضاً.
لحظات من الفوضى والاشتباك انتهت بهروب الجناة، تاركين خلفهم مشهداً صار مألوفاً في شوارع العاصمة، يعكس تصاعداً مقلقاً في جرائم السرقة بمختلف أشكالها.
هذه الواقعة ليست إلا حلقة جديدة في سلسلة متزايدة من حوادث الخطف والسرقة التي تشهدها القاهرة وسائر المحافظات، حيث باتت الكاميرات توثق يومياً محاولات مشابهة لسرقة الهواتف والحقائب والدراجات، في ظل ضغوط اقتصادية خانقة وتراجع الإحساس بالأمان لدى المواطنين.
ظاهرة تتسع على الطرق والشاشات
لم تعد السرقة حدثاً عابراً بل ظاهرة يومية ترصدها الكاميرات وتنقلها وسائل التواصل الاجتماعي لحظة بلحظة.
في فيصل بالهرم، ظهر ثلاثة شباب على “تروسيكل” يسرقون موتور مياه من عمارة سكنية، بينما وثق مقطع آخر لصاً على دراجة نارية يخطف حقيبة سيدة في الشارع.
وفي دمياط الجديدة، شهدت المدينة عملية سطو مسلح على مكتب بريد استولى خلالها ثلاثة ملثمين على أكثر من مليون ونصف المليون جنيه قبل أن يفروا هاربين.
الأمن يلاحق والجرائم تتطور
بيانات وزارة الداخلية تكشف عن مئات القضايا التي تتنوع بين النشل، والخطف، وسرقة الشقق والمساكن تحت الإنشاء، والأبراج الخاصة بشركات الاتصالات.
في القاهرة تم ضبط تشكيلات عصابية عدة، أحدها في التجمع الخامس تخصص في سرقة محتويات الشقق بأسلوب كسر الكالون، وآخر في عين شمس ارتكب جرائم نشل متكررة، بينما تم القبض على متهمين سرقوا بطاريات أبراج الاتصالات وأدوات كهربائية من مواقع بناء.
وفي المعادي، أُلقي القبض على عصابة من عاطلين تخصصت في سرقة الهواتف والحقائب باستخدام دراجة نارية وسلاح ناري محلي، كما تم ضبط آخرين في دار السلام ومصر القديمة لتورطهم في سرقات سيارات ودراجات نارية.
إحصاءات ترسم ملامح الأزمة
وفق مؤشر الجريمة العالمي لعام 2024، جاءت مصر في المركز الخامس والستين عالمياً بدرجة 47.3 على المؤشر العام للجريمة، وهو مستوى متوسط لكنه يشير إلى ارتفاع نسبي مقارنة بالسنوات السابقة.
وعلى صعيد البطالة، فقد سجلت الإحصاءات الرسمية نحو 6.9% في نهاية عام 2023، مع ارتفاع حاد بين الشباب والنساء حيث بلغت النسبة بين الإناث 17.7%.
دراسة توضح أسباب السرقة
كشفت دراسة أعدتها الباحثة سهام مختار فؤاد رياض عن العوامل المؤدية لارتكاب جرائم السرقة بالإكراه في مصر، وبينت أن العاطلين هم الفئة الأكثر تورطاً في هذه الجرائم بنسبة 23.11% في الحضر و21.11% في الريف.
كما أظهر تقرير جرائم العنف الموجه ضد النساء والفتيات في مصر لعام 2024، والذي أجراه فريق مؤسسة إدراك للتنمية والمساواة، أن عدد السيدات اللاتي تعرضن للسرقة خلال هذا العام بلغ حوالي 58 سيدة.
تفسير نفسي لظاهرة متصاعدة
من وجهة نظر علماء النفس، السرقة ليست مجرد رغبة في الحصول على المال، بل هي انعكاس لأزمة هوية وشعور عميق بالحرمان.
يرى الدكتور وليد هندي، استشاري نفسي، أن الضغوط المعيشية وفقدان الأمان الاقتصادي وتراجع القيم الاجتماعية تشكل بيئة خصبة لولادة الجريمة، لافتًا إلى أن الفرد الذي يعجز عن تحقيق ذاته بالطرق المشروعة يبدأ بتبرير تجاوزاته باعتبارها “ضرورة” أو “رداً على الظلم”.
وفي الحالات الأكثر خطورة، يتحول الفعل الإجرامي إلى عادة مدعومة بإحساس بالذكاء أو التحدي للمجتمع، وتكشف بعض الدراسات أن التعرض المستمر للمشاهد العنيفة على مواقع التواصل يخفف من شعور الفرد بالذنب ويطبع السلوك المنحرف، خصوصاً لدى المراهقين والشباب الذين يعانون من ضعف الروابط الأسرية وفقدان النموذج القدوة.
الأبعاد الاقتصادية للجريمة
وفق دراسة أعدها باحثون في كلية الآداب بجامعة الإسكندرية عن أثر الظروف الاقتصادية على زيادة معدلات الجرائم، يعد الوضع الاقتصادي عاملاً مؤثراً في ارتكاب الجرائم والانحرافات التي تصدر عن بعض الجماعات والأفراد.
ويتفق فتحي قناوي، أستاذ رصد الجريمة بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، مع الدراسة، موضحًا أن العامل الاقتصادي أحد العوامل الرئيسية لارتكاب الجرائم في المجتمع المصري، لا سيما مع وجود عوامل أخرى مثل البيئة المحيطة بمرتكب الجريمة.
وأشار قناوي إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي تعد أحد الأسباب الرئيسية لزيادة معدل الجرائم، إذ تُعرض الكثير من الحوادث مصوّرة وبشكل مفصل، ما يسهل على الأفراد تقليدها أو تكرارها.
كما يوضح أن أغلب من يلجأون إلى ارتكاب الجرائم بدافع اقتصادي يعانون من ظروف غير سوية، مثل البطالة أو إدمان المخدرات، ما يجعلهم أكثر عرضة للانخراط في السلوك الإجرامي.
قصة محمد.. بين الحاجة والذنب
في قرية هادئة بمحافظة الدقهلية، تجسدت المفارقة بين الفقر والضمير في قصة “محمد”، الرجل الأربعيني الذي اقتحم سوبر ماركت وسرق 112 ألف جنيه، ثم استخدمها لشراء عجل وأرز وزعها على أهالي قريته مجاناً قبل أن تلقي الشرطة القبض عليه. قال في اعترافه: “كنت عاوز أغسل ذنوبي”.
ويرى خبراء علم الاجتماع أن العلاقة بين الحاجة والذنب في جرائم السرقة تمثل جوهر الأزمة الاجتماعية التي يعيشها المجتمع المصري.
ويؤكد الدكتور فتحي قناوي أن الكثير من الجناة لا يرون أنفسهم مجرمين بقدر ما يعتبرون فعلهم استجابة قهرية لظروفهم المعيشية، خاصة حين يبررون السرقة بأنها “وسيلة للبقاء”.
من جانبه، يوضح الدكتور وليد هندي أن الشعور بالذنب يتراجع تدريجياً لدى من يبرر فعله بالحرمان أو الظلم، ما يخلق صراعاً داخلياً بين الأخلاق والاحتياج.
ويرى أن هذا الصراع لا يمكن حله إلا بتحسين الأوضاع الاقتصادية وإعادة بناء منظومة القيم المجتمعية.
ويجمع الخبراء على أن مواجهة ظاهرة السرقة لا تكون بتكثيف القبض فقط، بل بإعادة بناء العدالة الاجتماعية التي تمنح الناس شعوراً بالانتماء والأمان، وتجعلهم جزءاً من وطن لا يضطرهم إلى ارتكاب الجريمة كي يشعروا بأنهم أحياء.
عقوبات جريمة السرقة
في القانون المصري، تُعرَّف جريمة السرقة في المادة 311 من قانون العقوبات على أنها “اختلاس منقول مملوك لغيره بنية تملكه”، أي أن الجاني يجب أن ينقل مالاً مملوكاً لشخص آخر بطريقة غير مشروعة مع إرادة تملكه له.
فيما يخص العقوبات، فإن المادة 318 تعاقب السرقة البسيطة بالحبس مع الشغل مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة في بعض الحالات إذا لم يكن هناك ظرف مشدد.
أما إذا توفرت ظروف مشددة مثل ارتكاب السرقة ليلاً، أو الدخول إلى مسكن، أو استخدام سلاح، فقد تصل العقوبة إلى الحبس المؤبد أو المشدد وفقاً للمادتين 313 و314.
كما يمكن رفع العقوبة إذا ترافقت السرقة بالإكراه أو إذا أحدث الجاني جروحاً. وتنص المادة 316 مكرراً على عقوبات مشددة على من يسرق معدات البنية التحتية لقطاع الاتصالات أو الكابلات الخاصة بها، فيما تقضي المادة 315 بالسجن المؤبد أو المشدد على السرقات التي ترتكب في الطرق العامة، سواء داخل المدن أو القرى أو خارجها، أو في وسائل النقل المختلفة، خاصة إذا وقعت السرقة من شخصين فأكثر وكان أحدهم على الأقل حاملًا سلاحاً ظاهرًا أو مخبأً، أو إذا ارتكبت بطريقة الإكراه.