دخول المدارس “قصم ظهر” المصريين.. أعباء مالية تتفاقم بعد أسبوع من الدراسة

بعد مرور أسبوع على انطلاق العام الدراسي الجديد، تجلت معاناة المصريين اليومية على مواقع التواصل الاجتماعي في صور حية، بعضها مؤلم ومثير للشفقة.

تحدثت أم تعيل أسرة من خمسة أفراد، يعمل زوجها باليومية في أعمال البناء، عن صعوبة تأمين أبسط متطلبات الحياة، مؤكدة أنهم اضطروا إلى شراء نصف كيلو فقط من الخضار واللحوم والزيت، بينما كانت الأجيال السابقة قادرة على شراء الكميات كاملة.

وأضافت الأم أنها تحسب كل جنيه قبل الإنفاق، ومع ذلك لا تكفي الأموال لسد حاجات أبنائها، إذ إن ابنها الأكبر في الجامعة والبنات في المدارس، وكل واحد له احتياجاته الخاصة.

وفي قصة أخرى، ظهرت صور لأطفال في مدارس حكومية يحملون حقائب بلاستيكية في طابور المدرسة، بينما زملاؤهم يحملون الحقائب المدرسية التقليدية.

أظهرت الصور التفاوت الكبير في قدرة الأسر على تلبية الاحتياجات الأساسية للطلاب، وتفاعل أحد المواطنين مع الموقف مطالبًا بتوفير الحقائب لهؤلاء الطلاب.

عبء الـ172 يوماً الدراسي

تعكس هذه القصص حجم الضغوط اليومية التي يواجهها أولياء الأمور منذ الأسبوع الأول من الدراسة، لكنها تمثل بداية لعبء أثقل ينتظرهم على مدار 172 يومًا دراسيًا. فمنذ انطلاق العام في 20 سبتمبر 2025، وجد ملايين الأسر أنفسهم أمام سلسلة طويلة من الأعباء المالية، تشمل مصاريف المواصلات، وتجهيز الوجبات اليومية، وشراء الأدوات والملابس والحقائب، إضافة إلى الدروس الخصوصية والأنشطة شبه الأسبوعية والشهرية.

وبحسب عملية حسابية أجرتها “أحوال مصرية”، لأعباء تلك الـ172 يوماً دراسياً، التي سبقها على مدار شهرين، فإن أسرة بها طالبان في التعليم قبل الجامعي تحتاج عشرات الآلاف لتجهيز بداية الدراسة، فيما قد تصل المصروفات السنوية إلى مئات الآلاف بحسب نوع التعليم والمرحلة الدراسية.

الواقع الاقتصادي والاجتماعي

وراء هذه المشاهد أرقام أكثر قسوة تكشف حجم الأزمة. فالأرقام الرسمية تشير إلى أن معدل الفقر في مصر بلغ 29.7% عام 2020، أي نحو 30 مليون شخص، مع توقع زيادة هذا الرقم مع تجاوز تعداد السكان 108 ملايين نسمة.

أما تقرير البنك الدولي الصادر في أبريل 2025 فقد كشف أن أكثر من 66% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر العالمي البالغ 6.8 دولار يوميًا وفق أسعار صرف 2017.

كما أشار التقرير إلى ارتفاع معدل الفقر في مصر من 29.7% عام 2019 إلى 33.5% عام 2021 بحسب مقياس تعادل القوة الشرائية، بينما قدّر تقرير سابق قبل أربع سنوات النسبة بنحو 60%.

وقبل شهر من بدء الدراسة، تساءل النائب فريد البياضي في سؤال عاجل: “لماذا أخفت الحكومة التقرير السنوي لمؤشر الفقر لمدة ثلاث سنوات واكتفت بمؤشرات أقل بكثير من الواقع؟”، مؤكدًا أن “التلاعب في الأرقام قد يزيّن التقارير الرسمية، لكنه لا يخدع بطون الجائعين، ولا يمحو معاناة المصريين الذين يواجهون الفقر بموائد فارغة”.

غياب الحكومة عن معاناة أولياء الأمور

منذ اليوم الأول لبدء الدراسة، شدد وزير التربية والتعليم على ضرورة انتظام حضور الطلاب، مكررًا ما ذكره في لقاءات سابقة هذا الشهر، دون الحديث عن كيفية مواجهة مشاكل ومعاناة الطلاب وأسرهم.

ففي لقاءين يومي 9 و16 سبتمبر، أوضح الوزير أن متوسط نسبة حضور الطلاب للعام الماضي بلغ حوالي 89%، وألا تقل عن 80%، مؤكدًا أن أعمال السنة سيتم ربطها ارتباطًا مباشرًا بالحضور، دون الإشارة إلى التحديات المالية أو صعوبة توفير الوجبات والمواصلات للطلاب.

كما تجاهل الوزير الحديث المنشور في يوليو الماضي عن توفير وجبات ساخنة لخمس ملايين طالب فقط، وهو عدد لا يقارن مع نحو 26 مليون طالب على الأقل.

“ارفع الغياب عن عيالي”

مع استمرار المعاناة، ظهر فيديو لأم ناشدت وزير التربية والتعليم مباشرة، قائلة: “الفيديو دا موجه لك يا سيادة وزير التربية والتعليم.. أرجوك ارفع الغياب عن عيالي، أنا مش قادرة أوديهم المدارس، مش معايا فلوس أجيب لهم أكل، ولا أقدر أدفع باصات ولا دروس. الضغوط كثيرة، والمصاريف غالية، ومفيش مصدر دخل.. نفسي أعلمهم وأشوفهم في مدارسهم، بس حرفيًا مش قادرين نعيش”.

وأظهرت التعليقات على الفيديو أن حالتها ليست فريدة، بل تمثل واقعًا متكررًا في المجتمع، حيث يواجه الكثيرون صعوبة في دفع أجرة المواصلات، أو توفير الوجبات المدرسية، أو المصروف الشخصي اليومي، دون وجود أي تدخل حكومي لتخفيف هذه الأعباء.

أزمات متكررة وغياب الوزارة

في اليوم الأول للعام الدراسي، برزت أيضاً أزمات عديدة في المدارس، تعكس غياب أي استعداد من وزارة التربية والتعليم ووضع آليات مسبقة لمنع تكرارها.

من أبرز هذه الأزمات، شكاوى أولياء أمور طالبات من تعرض بناتهن للضرب من طلاب المرحلة الإعدادية أمام مدرسة طارق بن زياد للتعليم الأساسي بمدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية، أثناء فترتي الدخول والخروج، ما أدى إلى إصابات بالغة.

كما تم الإبلاغ عن حادث تحرش بطالبة في محافظة القليوبية، وأثار هذا غضبًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي سياق متصل، أكد ائتلاف أولياء الأمور أن بعض المدارس لم تنتهِ من تسليم الكتب أو التقييمات، إلى جانب غياب الصيانة في أغلب المدارس، وإهمال نظافة الفصول، وعجز المعلمين. كما طالبت بعض المدارس أولياء الأمور بدفع أموال لتوفير معلمين، وارتفعت أسعار الكتب في المدارس الرسمية التجريبية، ما أضاف أعباء إضافية على الأسر.

ورغم تكرار هذه الأزمات، سجل الطلاب حضورهم، بينما غابت الحكومة ووزارة التعليم عن تقديم أي حلول أو بدائل عملية لهذه المشاكل، في ظل الغلاء الفاحش وأسعار الوقود المرتفعة الشهر المقبل، ما يفتح أبوابًا جديدة من الضغوط على أولياء الأمور.

أضف تعليقك
شارك