الإيكونيميست: عبد الفتاح السيسي يفوز في انتخابات رئاسية جديدة

 

لقد فاز عبد الفتاح السيسي في انتخابات رئاسية أخرى في مصر، لكن ناخبيه غاضبون من الاقتصاد المتعثر والحرب في غزة. ولا يمكن للسياسي أن يطلب نتيجة أفضل: الفوز على ثلاثة منافسين بنسبة 89.6% من الأصوات وأعلى نسبة إقبال منذ تسعينيات القرن العشرين. هذا ما أراده السيسي حرفيًا، وكانت النتيجة محددة سلفا.

في 18 ديسمبر 2023، أعلنت السلطات المصرية أن عبد الفتاح السيسي الجنرال العسكري الذي يحكم البلاد منذ عام 2014، فاز بولاية ثالثة كرئيس للدولة. وعلى النقيض من الدورتين الانتخابيتين الماضيتين، اللتين وضعتاه في مواجهة شخص واحد لا وزن له، فقد واجه في انتخابات هذا الشهر ثلاثة منافسين غير معروفين: كان لدى الناخبين خيارات أكثر هذه المرة رغم أنها غير جيدة. وقد انسحب أحمد طنطاوي أبرز منافسيه المحتملين من السباق في أكتوبر الماضي بعد أن اعتقلت السلطات أنصاره وضايقتهم.

تشير التقارير الرسمية إلى أن نسبة الإقبال على التصويت بلغت 67%، أي أعلى بنحو 20 نقطة من الانتخابات الحرة والنزيهة الوحيدة التي شهدتها مصر على الإطلاق في عام 2012. ويبدو هذا منافياً للعقل، على الرغم من أن الحكومة قامت من جهتها بزيادة الأعداد من خلال نقل موظفيها بالحافلات إلى مراكز الاقتراع كما وزعت الدقيق والأرز وغيرها من السلع الضرورية على الناخبين في مراكز الاقتراع. وتتيح النتيجة للسيسي الزعم بحصوله على تفويض واسع النطاق لمتابعة تنفيذ بعض السياسات التي لا تحظى بشعبية، حيث يحتاجها.

وفي لمحة عن التحديات المقبلة، تذمر بعض الناخبين من أن كراتين الدعم التي وزعتها الحكومة لا تشمل السكر الذي ارتفع سعره بنسبة 40% تقريباً منذ أكتوبر، حيث وصل سعر الكيلو الواحد منه إلى 55 جنيهاً. إن من العلامات غير الجيدة ألا تتمكن الرشوة التي تقدمها الدولة من مواكبة التضخم.

إن القلق الأكثر إلحاحاً بالنسبة للسيسي هو الحرب في غزة، فهي واحدة من ثلاثة صراعات على حدود مصر، أي الصراع في ليبيا والسودان. فمع قيام إسرائيل بتوسيع هجومها على جنوب غزة في الأسابيع الأخيرة، فر عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى مدينة رفح الآمنة نسبياً، وهي مدينة الواقعة في أقصى جنوب القطاع. ويشعر المسؤولون في القاهرة بالقلق من أن الجيش الإسرائيلي قد يوسع حملته لتشمل رفح، الأمر الذي ربما يؤدي إلى فرار المدنيين عبر المعبر نحو مصر.

 لقد قام الجيش المصري ببناء سواتر وسياج لتعزيز جانبه من الحدود. ويقول مسؤولون مصريون سراً إن الجنود المصريين لن يطلقوا النار على الفلسطينيين الذين سيحاولون الفرار من غزة. لكنهم يشعرون بالقلق بشأن الحاجة إلى رعاية تدفق اللاجئين، بجوار أكثر من 300 ألف شخص فروا من السودان منذ اندلاع الحرب الأهلية هناك في أبريل الماضي.

لقد حاول السيسي السير على حبل مشدود بشأن غزة. فدعا إلى وقف لإطلاق النار، وسمح ببعض الاحتجاجات تحت إشراف الأجهزة الأمنية ضد الحرب. لكنه لم يقطع العلاقات مع إسرائيل، وعلى عكس حسني مبارك، الدكتاتور المخلوع في عام 2011، لم يسمح باحتجاجات عفوية مؤيدة لفلسطين. بالنسبة للسيسي وحلفائه، كان هذا الصبر من مبارك تجاه التجمعات هو بداية النهاية لحكمه، فقد حول النشطاء الذين نظموا أنفسهم لدعم فلسطين تركيزهم فيما بعد إلى رئيسهم. ولذا سرعان ما جرى تفريق مظاهرات يوم 20 أكتوبر 2023 التي وصلت إلى ميدان التحرير، قلب ثورة 2011، وتم اعتقال بعض المتظاهرين.

شعر مبارك بالثقة الكافية للسماح بمثل هذه المظاهرات. لكن السيسي لا يفعل ذلك، لأنه يتعامل مع أسوأ أزمة اقتصادية في مصر منذ عقود، نتيجة لما يقرب من عقد من الإنفاق الحكومي الذي تغذيه الديون. لقد أدى النقص المستمر في توفير العملة الصعبة إلى عرقلة الأعمال التجارية على مدار العام. منعت العديد من البنوك المصرية عملائها من استخدام بطاقات الائتمان أو بطاقات الخصم الخاصة بهم لإجراء معاملات خارج البلاد. ومنذ أكتوبر الماضي خفضت وكالات التصنيف الثلاث الكبرى تصنيف الديون المصرية لتصبح عالية المخاطر.

بلغ التضخم السنوي في نوفمبر 36%، بانخفاض عن مستوى قياسي بلغ حوالي 40% في أغسطس، لكنه لا يزال ضعف مستواه قبل عام تقريبًا. ومع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 65%، فإن السكر ليس المادة الأساسية الوحيدة التي أصبحت فجأة غير ميسورة التكلفة. فقد ارتفعت أسعار البصل 423% خلال العام الماضي، واللحوم 84%، والشاي 78%.

ورغم أن سعر الصرف كان من المفترض أن يصبح مرناً، فإنه لم يتزحزح منذ فبراير الماضي بينما سعره لا يمكن أن يستمر كما هو. يتوقع صندوق النقد الدولي، الذي وافق على قرض بقيمة 3 مليارات دولار لمصر في ديسمبر 2022، أن يقوم السيسي بتعويم العملة. سيتعين عليه على الأقل خفض قيمة الجنيه مرة أخرى، للمرة الرابعة خلال عامين: في السوق السوداء يبلغ سعر الدولار الآن حوالي 50 جنيها مصريا، مقارنة بالسعر الرسمي الذي يقترب من 31 جنيها. وهذا من شأنه أن يبقي التضخم مرتفعا.

الحرب في غزة تجعل كل هذا أسوأ. ففي أكتوبر وسط مخاوف من احتمال تعرض منصات الغاز الطبيعي الإسرائيلية للهجوم من قبل حماس في غزة أو حزب الله في لبنان، علقت إسرائيل مؤقتاً صادراتها من الغاز إلى مصر. وأجبر ذلك الحكومة المصرية على فرض قطع متكرر للتيار الكهربائي في جميع أنحاء البلاد استمر لمدة تصل إلى أربع ساعات في اليوم، قبل أن يتراجع لاحقا إلى ساعتين يوميا.

 تمثل السياحة 5% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، وهي ثالث أكبر مصدر للعملة الأجنبية. انخفضت الحجوزات بشكل حاد منذ أكتوبر. والهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر ستضر برسوم عبور قناة السويس، وهي مصدر حيوي آخر للدولار.

ليس لدى السيسي إجابات جيدة للأزمة الاقتصادية. وهو يحث المصريين على العمل بجدية أكبر والتقليل من تناول الطعام ويضغط على حلفائه الخليجيين الأثرياء للاستثمار في مصر وتقديم المساعدات. لكنه يرفض تقليص الإمبراطورية الاقتصادية للجيش، التي تعمل على مزاحمة القطاع الخاص، أو وقف إنفاق الدولة على المشاريع الضخمة وشراء الأسلحة. وسوف يكون لزاماً عليه أن يتوصل إلى أفكار أفضل ــ أو بغض النظر عن الانتخابات الصورية التي جرت هذا الشهر، فإن ولايته للحكم قد لا تدوم.

 

 

 

أضف تعليقك
شارك