تحدّثنا في موضوع سابق عن واحدة من الظواهر الأكثر حضورًا في مجال كرة القدم المصريَّة، وهي ظاهرة “الأقارب” والتوريث، بدايةً من الإدارة مثل عائلة مرتضى منصور، وحراسة المرمى مثل عائلة شوبير وعادل عبد المنعم، وصولًا إلى التحكيم، حتّى باتت قطاعات البراعم في الأندية الكبرى عبارة عن خليط من التنافس شبه الحصريّ بين أبناء النجوم.
والآن جاء دور الفنّ، الّذي تغيَّر مفهومه بمرور الوقت، من القيمة والانفعال الوجدانيّ المؤثّر ومحاكاة الواقع ومحاولة تحسينه كما في كلاسيكيّات الدّراما المصريَّة، “الشهد والدموع” و”سوق العصر” و”ليالي الحلميَّة” و”المال والبنون”، إلى أن صار معادلًا لمعاني مغايرة مثل الشكل والشهرة والمال والنّفوذ والتبعيَّة للسلطة والإنتاج.
مفهوم أنّه من المثاليَّة بمكان، لا سيما في عالم اليوم، توقّع أن تكون العمليَّة الفنيَّة قائمة حصراً على الموهبة والطلب الجماهيريّ، إذ لا بدّ أن تلعب عوامل أخرى غير موضوعيَّة أدوارًا في توجيه عمليَّة الاختيار، ولكنَّ الملاحظ في الفن المصريّ المعاصر أنَّ العملية برمّتها ربما صارت قائمة بالكامل تقريبًا على تلك العوامل غير الموضوعيَّة!
التوريث الفجّ
مما يمكن رصده دون عناء، أنّ جيلًا من فنّاني الصفّ الأول الذين انتهى عمرهم الافتراضي، قد سلّموا الرّاية، بطريقة أو بأخرى، لأبنائهم وذويهم دون النظر إلى جدارة الجيل الجديد من عدمه.
على سبيل المثال لا الحصر، نجد أنّ عادل إمام قد ورّث المهنة، عنوةً فيما يبدو، لابنه محمد، الذي لا يتمتَّع بقبول موازٍ لأبيه، تمامًا كما فعل صلاح السعدني مع نجله أحمد، وكما فعل فاروق فلوكس مع نجله أحمد أيضًا، وعلى غرار أحمد خالد صالح، حتى فيفي عبده قد زجّت بنجلتها، عزّة مجاهد، في مجال التمثيل، ما يطرح سؤالًا عن المعايير المعمول بها في تلك الصناعة حاليًا.
ومن بين باقة طويلةٍ من الممثلين، الذين صاروا ممثلين لأنّ آباءهم كانوا كذلك، نجد قلةً محدودة ممن يصدق فيهم المثل الشعبي السائر “ابن الوزّ عوّام”، مثل حنان مطاوع وابنتي سمير غانم وريهام عبدالغفور، وهو ما لا ينطبق على البقية.
بعض فنّاني اليوم، أيضاً، ممن يحصلون على ملايين الجنيهات، كأجر في العمل الواحد، أو على الأقل حازوا على فرص في الظهور، ربما قد لا يمكن تفسير حصولهم على تلك الفرصة دون الرجوع إلى تاريخهم العائلي من ناحية الجد، فأمير كرارة هو حفيد الراحل شكوكو، وجميلة عوض هي حفيدة محمد عوض، وناهد السباعي حفيدة هدى سلطان.
التوريث الجديد
في السابق، احتاج التوريث الفني إلى توصيةً معتبرة، فهذا أبوه كان ممثلًا بازغًا فقد يسهل عليه الزجّ بابنه اعتمادًا على نفوذه، وتلك حفيدة الراحل القدير، فقد يكون مفهومًا ضمها في أحد الأعمال تكريماً لاسم جدّها.
لكن في عالم اليوم صار التوريث أسهل؛ إذ يمكن للممثل المشكوك في موهبته ابتداءً، أن يدفع أخاه بقوّة نفوذه إلى عالم الفنّ دون أيّ مسوغات أخرى، تمامًا كما فعل أمير كرارة مع أخيه أحمد كرارة، وكما فعلت روبي القادمة من عالم آخر غير عالم التمثيل مع شقيقتها مريهان، وبنفس الطريقة أدخلت ميار الغيطي أختها مي الغيطي، وأدخل محمد رجب شقيقه عمرو رجب إلى الشاشة، وصولا إلى الأختين زاهد.
وقد انبثق عن تلك المعايير المضطربة في التصعيد والاختيار ظواهر فجّة فيما يقدَّم للمشاهد المصري، منها ظاهرة “العائلات الفنيَّة”، فمن يتابع دراما اليوم، المشكوك في تعبيرها عن الإنسان المصري، سيجد الشاشة باتت عبارة عن حزمة من العائلات، لا الشللية فقط، مثل عائلة أحمد زاهر، وعائلة داش، وعائلة محمد سامي، وعائلة حِمدان، وعائلة بنات شوقي، وعائلة ميدو عادل.
آثار وخيمة
ربما تصلح تلك الظاهرة، خاصةً إذا أخذ في الاعتبار حالة “العبور بين مجالات الترفيه”، كتفسير مطروح لتردّي الوضع الدرامي في مصر خلال الأعوام الأخيرة، تزامنًا مع صعود نجم الشركة المتحدة أيضاً.
وكأثرٍ عن هذه الفوضى والتحامًا مع حافة العبثيَّة وعدم الاكتراث بالجمهور، لوحظ تصعيد الفنانة نيلّي كريم لزوجها لاعب الإسكواش الشهير هشام عاشور في عالم الفنّ، كما بدأ الممثلون يحجزون الفرص لأبنائهم الأطفال، فنجلة دنيا غانم الطفلة ممثلة أيضاً، ونجل عمرو سعد صار ممثلاً!
بعض الفنّانين المتضرّرين عبَّروا علانيةً عن سخطهم من سيادة منطق القرابة والشلَّة حصرًا دون غيره في هذا المجال، مثل باسم سمرة وفادي خفاجة، والبعض الآخر يخشى عواقب المجاهرة بموقفه، فيكتفي بالهمهمات المكتومة.
شارك معنا: هل تعرف ممثلاً تم تصعيده لعلاقته بأحد المشاهير؟