العمالة المؤقتة: الغوص في الفقر

 

خلال شهر سبتمبر الماضي قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي زيادة علاوة غلاء المعيشة لموظفي القطاع العام لتصبح 600 جنيها بدلا من 300 جنيها، وزيادة الحد الأدنى للدخل للدرجة السادسة ليصبح 4 آلاف جنيه، بدلاً من 3500 جنيه.

ولكن لم تُطبق هذه الزيادة على جميع موظفي الدولة، حيث يحصل عليها فقط من يعملون بعقود رسمية، والذين يناهز عددهم 4.5 مليون شخص، بينما يعمل في القطاع العام عدد مماثل من العاملين بنظام العقود المؤقتة، ولا تُطبق عليهم قوانين الحد الأدنى للأجور، ولا يحصلون على تأمين صحي وعلاوة اجتماعية.

ظاهرة العمالة المؤقتة: رق الدولة

تعود نشأة ظاهرة العمالة المؤقتة إلى توجه الدولة خلال السنوات الأخيرة لوقف التعيينات في القطاع العام، وتبنى استراتيجية هدفها تقليص عدد العاملين في الحكومة تنفيذاً لبرنامج للإصلاح الاقتصادي متفق عليه مع صندوق النقد الدولي.

اعتمدت الحكومة المصرية على نظام المعاش المبكّر لتقليل عدد الموظفين، مع حظر التعيينات نهائياً في الوظائف في الحكومية. ونتيجة لذلك وجد ملايين الخريجين من حملة المؤهلات التعليمية المختلفة أن أبواب الوظيفة الحكومية قد أغلقت في وجوههم، بعد أن كانت الأجيال السابقة تعتمد عليها كمصدر مضمون للدخل وللحصول على وظيفة مستقرة.

حدث ذلك في نفس الوقت الذي عانت فيه أجهزة الدولة ومؤسساتها من عجز كبير في عدد العاملين لديها، دون أن تستطيع علاج هذا العجز في ظل وجود سياسات تُقيد توظيف عاملين جدد، ما جعلها تلجأ إلى حيلة مبتدعة، وهي توظيف عاملين لديها بعقود مؤقتة، تبدأ من 6 شهور، على أن يُجدد العقد بشكل دوري.

تتيح هذه العقود للمؤسسات الحكومية عدة مُميزات، فهي تجعلها غير مُلتزمة حيال العامل أو الموظف بأي التزام قانوني، وتستطيع تسريحه في أي وقت بدون أي عراقيل، أو على الأقل يمكنها عدم التجديد له، كما أنها تتيح منحه أجورا زهيدة أقل من الحد الأدنى للأجور الذي يحدده القانون.

تستغل المؤسسات الحكومية ملايين الباحثين عن العمل في وظائف حكومية مضمونة على وعد بتثبيتهم بشكل رسمي، وفي حديث لأحوال مصرية مع أحد الموظفين  العاملين بنظام العقد المؤقت في وظيفة فرد أمن بمصلحة البريد في إحدى قرى محافظة المنيا، يقول إنه يتقاضى 1800 جنيها شهرياً فقط، ويضيف أنه يبلغ من العمر 26 عاما وتخرج من كلية التجارة بتقدير امتياز، وكان يأمل في التعيين في وظيفة محاسب، ولكنه اضطر للقبول بهذه الوظيفة لأنها أفضل من البطالة.

يضيف أن الراتب لا يكفيه مما يضطره للعمل عشر ساعات أخرى في بقالة، وهو غير متأكد من تثبيته بعد أن يكمل عاما كما قيل له، إذ يضيف: كلما حاولت الاستفسار من مدير الفرع يقوم الأخير بتوبيخه ويهدده بالطرد، بحجة أن هناك الكثير ممن يبحثون عن هذه الوظيفة.

ويُعاني هؤلاء العاملين من إهدار حقوقهم من قبيل الحرمان من التأمين وبدلات العمل والرواتب الثابتة مع عدم الحصول على إجازات مرضية وإجازات بدون أجر، ما يزيد من عدم الإحساس بالأمان الوظيفي، مع عدم التزام المؤسسات بأي حقوق اتجاههم.

في بداية عام 2022 أصدر رئيس جهاز التنظيم والإدارة، قانون تنظيم تثبيت العاملين المؤقتين في الجهاز الإداري للدولة، واشترط القانون أن يقتصر التثبيت فقط على من جرى التعاقد معهم قبل تاريخ 30/6/2016. وهو ما يعني أنه لابد من أن يكون العاملين بنظام العقد المؤقت قد أمضوا 6 سنوات من العمل في القطاع العام حتى يتم تعيينهم في أدنى الدرجات على بند الأجور الثابتة، وقد أقصى هذا القانون ملايين الأشخاص من الحالمين بالتثبيت بعقود رسمية.

في حديث لأحوال مصرية مع أحد العاملين منذ سنوات بنظام العقود المؤقتة في القطاع الحكومي، والذي يبلغ من العمر 31 عاماً، ويعمل في معهد الأورام التابع لوزارة الصحة، يقول بأنه أمضى في وظيفته نحو 4 سنوات ويتقاضى 2200 جنيهاً شهرياً، ويجري تجديد عقده كل عام بدلاً من تثبيته، ويضيف: بالرغم من كفاءتي واعتراف المسؤولين باجتهادي ورغبتهم في تعييني بشكل رسمي، إلا أنهم لا يستطيعون ذلك بسبب القوانين.

 يضيف إنه يسعى لترك العمل والبحث عن وظيفة أخرى تضمن له دخلاً مناسباً لا يجعله يعمل في أكثر من عمل لكي يكفي احتياجات أسرته المعيشية، ولكن ما يجعله مترددا هو أن رؤسائه في العمل يعدونه بالتعيين بعقد ثابت في أقرب وقت مُمكن. وبالتالي يعيش في معضلة لا يجد لها حلا.

ما رأيك في وضع العمالة المؤقتة في مصر؟

 

 

أضف تعليقك
شارك