بدءًا من صيف 2013، أخذت العلاقات المصريَّة الإسرائيليَّة في الازدهار بشكل غير مسبوق كمًا ونوعًا من جهة الطَّرفين على حدّ سواء، وذلك بالتّزامن مع صعود السيسي سياسيًا في مصر. فقد تدخَّلت إسرائيل بثقلها السّياسيّ، بتوجيه من نتنياهو شخصيًا، في الدوائر الغربيَّة لتخفيف حدّة الضّغوط على النظام الجديد بعد ما حدث في 3 من يوليو، كما اعترف سياسيّون مقرَّبون من دوائر صنع القرار في مصر.
وقد دافع وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشيه يعالون عن حق مصر في الحصول على طائرات فرنسية متقدمة من طراز “رافال” لاستخدامها في الحرب على الإرهاب في سيناء والصحراء الغربيَّة في عام 2015 وفقًا لتعبيره، وتفرَّد نتنياهو بالموافقة على بيع ألمانيا غوَّاصات “تايب 209” لمصر، مبررًا ذلك بخوفه من حصول مصر على غوّاصات أكثر تطوّرا من طرفٍ شرقي آخر حال تعذر الصفقة.
وفيما يخصّ الحربَ في سيناء، فقد كانت المشاركة الميدانيَّة الإسرائيليَّة فاعلة في ترجيح كفَّة الجيش المصري، وبالأخصّ في اشتباكات صيف 2015 الَّتي حاول خلالها تنظيم ولاية سيناء السيطرةَ على مناطق حيويّة في الشيخ زويد، حتَّى أنّ مراسل نيويورك تايمز آنذاك في القاهرة ديفيد كيركباترك أشار إلى عدد 100 غارة إسرائيليَّة في السنوات الأولى للحرب، إلى أن رحَّبت إسرائيل بتعديل الملحق الأمنيّ لمعاهدة السَّلام وتثبيت زيادة القوَّات المصريَّة في سيناء.
في المقابل، فقد أنهى النّظام المصريّ معضلةَ الأنفاق الحدوديّة إلى غزّة والَّتي أزعجت إسرائيل لصعوبة إخضاعها للمراقبة، كما جهر السيسي بلا مواربة بضرورة الحفاظ على استقرار إسرائيل أمنيًا، وأمر سلاح الجوّ المصريّ بالمشاركة في إطفاء حرائق بالأراضي المحتلَّة، ووصل التناغم إلى حذف أي مضامين قد تكرّس العداء لإسرائيل من المناهج الدراسيَّة، مع إيلاء التراث اليهوديّ المادّي في مصر عناية خاصّة من الحكومة. أكثر من ذلك، فقد انخرط الطرفان لسنوات طويلة في تحالف إقليميّ يضمّ اليونان وقبرص في شرق المتوسّط، كما وقع اتفاقية لبيع الغاز الإسرائيلي للقاهرة لاستخدامه محليَّا وتجاريَّا بقيمة 15 مليار دولار.
ما الجديد؟
ما استجدّ أنه منذ تطوّرات 7 من أكتوبر، وقد بدأ السّلوك الإسرائيلي يأخذ اتجاهًا عدائيًا من النّظام في مصر، دون تصريح رسميّ واضح بهذا الشَّأن، وهو ما تجلَّى في قصف معبر رفح من النَّاحية الفلسطينيَّة ونطاقه عدّة مرّات، والتَّهديد بقصف الشَّاحنات المصريَّة حال دخولها إلى غزّة دون تنسيق. ثمَّ تطوّر الأمرُ تدريجيًا إلى قصف دبابة إسرائيليَّة برجَ مراقبة مصريّ على الحدود متسببةً في وقوع إصابات في الجانب المصريّ وفقًا للرواية الرَّسميَّة، وتوقّف نقل الغاز الإسرائيلي مؤقتا إلى مصر في نهاية أكتوبر الماضي، دون اعتذار علنيّ، ممّا عمَّق أزمةَ الكهرباء المستفحلة في الدَّاخل.
تهميش متعمَّد
في نفس الوقت الَّذي تضيّق فيه إسرائيل أعمال الإغاثة عبر معبر رفح، سواء من جهة إدخال الشّاحنات أو من جهة خروج المصابين للعلاج، فقد سمحت للأردن بتنفيذ عدّة إنزالات جويَّة في سماء غزَّة لإيصال مؤن للمستشفى الأردني، كما وافقت برعاية أمريكيَّة على إعادة تشغيل معبر كرم أبو سالم لإدخال المساعدات عبر الأردن أيضاً.
سمحت إسرائيل أيضاً للإمارات بتدشين خطّ مياه جوفيَّة عبر الأراضي المصريَّة إلى غزَّة ضمن عمليَّة “الفارس الشهم 3”، وبدأت تطرح اسمَ “قبرص الرّوميَّة” كمنفذ بحري محتمل لإدخال المساعدات عبر المتوسّط.
يأتي ذلك بالتّزامن مع تنامي الدور القطري في الوساطة وترتيب لقاءات كبار المسؤولين الدوليين في الدوحة، وهو ما كان حكراً على القاهرة، كما كانت وزيرة التعاون الدولي القطرية لولوة الخاطر أول مسؤول إقليمي يدخل إلى القطاع.
اللافت هنا، أنّ النّظام الحاكم في مصر يتعامل مع هذه المستجَّدات الخطيرة بنوعٍ من اللامبالاة؛ فلا يوجد رد رسمي معلن، ولا تغيّر خشنا في اللهجة، ولا إجراءات ميدانيَّة على الأرض، بل على العكس، يقف المسؤولون، دون خجل، ليقولوا إن المعبر مفتوح، ولكنّ إسرائيل تعيق عمله!
شاركنا رأيك: هل تتعمد إسرائيل إهانة مصر أم أنّ هناك تواطؤا غير معلن من الطرفين على هذه السياسة؟