في الأيام الأخيرة التي سبقت انتخابات الرئاسة، وجد المصريون أينما ولوا وجوههم في الشوارع لافتة للمُرشح والرئيس عبد الفتاح السيسي، حتى أصبحت تبدو في بعض الأحيان من كثرتها تتابعوكأنها “مفاتيح بيانو” مما جعل تلك الحالة مثارًا للسخرية في وسائل التواصل الاجتماعي.
مع اندلاع الحرب في غزة أعلن السيسي أنه سيُقلص النفقات المادية لحملته إلى الحد الأدنى مُتبرعًا بأغلب أموال الحملة إلى “الأشقاء” في فلسطين. وهو الموقف الذي هلل له أعضاء البرلمان وصفقوا. وفي الواقع، لا يبدو الرئيس كاذبًا، ولا تبدو اللافتات التي تغزو الشارع مُناقضة لموقفه، فلحملته طرق أخرى للإنفاق عليها من خلال ما يُسمى بـ “الدعم الشعبي”، والذي تحدث عنه محمود فوزي مدير الحملة الانتخابية للرئيس حيث أرجع سبب كثرة اللافتات في الشوارع إلى أنه “انعكاس لحب وتأييد الشعب”. ولكن ما لم يقله فوزي أن ذلك الحب والدعم كان في بعض الأحيان بالغصب والابتزاز كما توصل إليه تحقيق “أحوال مصرية” مع عدد من أصحاب المحلات في شوارع القاهرة.
دعاية فوق القانون
على أبواب محلات الطعام والأحذية والملابس والمكتبات والمقاهي في ميدان حي السيدة زينب وجواره في الشوارع المؤدية إلى “وسط البلد” تنتشر الصور واللافتات الداعمة للسيسي لفترة رئاسية جديدة، وهي بالطبع غير اللافتات والبانرات الكبيرة التي يطبعها أعضاء مجلس النواب أو أعضاء أمانة حزب “مستقبل وطن” النافذ في تلك المنطقة.
لم يحتاج أصحاب تلك المحلات إلى سداد 10 آلاف جنيهًا، والتي ينص قانون “تنظيم الإعلانات على الطرق العامة” على دفعها، كما أنهم لم يحتاجوا إلى استخراج ترخيص من الجهات المُختصة تتيح لهم تعليق “لافتة”، فالجهات المُختصة ذاتها والمتمثلة في أقسام الشرطة ترسل معاوني مباحثها في جولة ميدانية إلى تلك المحلات بغرض إلزام أصحابها بتعليق “لافتة” داعمة لسيادة الرئيس وإلا تعرض أصحابها للمشاكل والمضايقات من أجهزة البلدية من قبيل تسجيل “بروز” على خلفية نشر المقاعد والطاولات أمام المحل وخارجه.
دعاية بالإتاوة
يقول أحد أصحاب المحلات الصغيرة في شارع “لاظوغلي” لأحوال مصرية: “يأتي أمين شرطة ليأخذ اسمك، ويأمرك تعلق يافطة للرئيس قائلا أمامك أسبوع دون أن يهتم هل معك فلوس أم لا، مع العلم إن تكلفة متر البانر حاليا تصل إلى 380 جنيهًا بخلاف تكلفة تصميم البانر والكتابة عليه”. ويضيف بحسرة: “البانر الذي علقته كلفني 600 جنيه.. هو أنا بعمل كام 600 جنيه في اليوم؟”.
إن كانت السُلطة لا تُلزم أصحاب المحلات الصغيرة بأمتار معينة لحجم لافتة البانر، فإنها تذهب إلى إلزام أصحاب المعارض الكبرى في الشوارع والميادين بذلك، ففي ميدان “أبو ظريفة” في عابدين يحتل بانر كبير مُفصل أحد واجهات المعارض هناك، بالإضافة إلى لافتة قماش كبيرة لعلم مصر، ويتحدث صاحب المعرض مشتكيًا: “أعطوني العلم أعلقه لتعليقه، لكن البانر العريض كلفني حوالي 3500 جنيه لأنهم هما اللي طلبوا مني هذا الحجم وفق تصميم معين، ولا أقدر سوى على الدفع لأني غير قادر على تحمل تكلفة الاعتراض”.
يوضح أصحاب المحلات أن الأمر بتعليق لافتات ليس استثنائيا أو جديدا، ولكنه متعارف عليه خلال أي موسم انتخابات أو أحداث استثنائية مثل التعديلات الدستورية أو بعض القرارات التي يتخذها الرئيس وتحتاج إلى تهنئة أو مبايعة وتأييد. وقد اعتاد أصحاب المحلات على ذلك، ولكن في هذه المرة جاءت الإكراهات في ظل أزمة اقتصادية حادة يعانون منها كما يعاني منها باقي المصريين.
شاركنا مشاهدتك حول مدى انتشار لافتات تأييد السيسي في منطقتك، ومن الذي تحمل تكلفتها؟