الجامعات المصرية.. مقر إضافي للأمن الوطني!

 

في الماضي القريب، كانت الأنظمة الحاكمة في مصر تترك للجامعات دورًا سياسيًا لتنفيس الشباب عن مطالبهم، وفي ظل هذا الهامش المتاح برزت كساحة للتعبير عن الرأي. ولكن حينما اندلعت الحرب في غزة، لم تحفل ساحات الجامعات بالمظاهرات الحاشدة التي لطالما خرجت لدعم فلسطين. ولم يكن هذا وليد الصدفة، فما حدث في الجامعات المصرية في السنوات الأخيرة هو أمر جدير بالوقوف عليه من أجل أن نعرف لماذا أصبح حتى أساتذة الجامعات خائفين من كتابة “منشور” على الفيسبوك!

طلاب بلا اتحاد طلبة

في أعقاب “مجزرة رابعة العدوية” شهدت بعض الجامعات في مصر موجات من المظاهرات الطلابية الغاضبة التي توجت باقتحام الأمن بشكل سافر لجامعة الأزهر في ديسمبر 2013. وفي نهاية نفس الشهر، حكمت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بتجريم التظاهر داخل الجامعات دون إخطار من رئيسها، وكان ذلك هو المسمار الأول في نعش الحراك الطلابي في عهد النظام الحالي. وفي عقب صدور ذلك القرار، تعرض العديد من الطلاب إلى عقاب من نوع آخر تمثل في الفصل التعسفي من الجامعة والاعتقال والإخفاء القسري ليصبح الطلاب عبرةٍ لمن يعتبر.

ولإحكام الخناق على الحراك الطلابي، وبناء على قرارات أمنية بحتة الحكومة الدولة انتخابات اتحاد الطلبة لمدة عامين دون أي سند قانوني، وحين عادت الانتخابات مرة أخرى بداية من عام 2015، أعيد تُفصيل نظام الانتخاب ليؤدي في النهاية لأن يصبح رئيس اتحاد الطلبة رئيسًا بما يشبه التزكية، ودون أن يخوض غمار تلك الانتخابات من الأساس أي من الطلبة إلا بعد مراجعة ملفاتهم من الأمن الوطني، وبالتالي أصدرت الجهات الأمنية أوامر باستبعاد العديد من الطلاب من قوائم الترشح، وفي عام 2015 وحده شطبت وزارة التعليم العالي أكثر من ألفين طالب من كشوف الانتخابات.

تحولت انتخابات اتحاد الطلبة في النهاية إلى إجراء لا يُمثل الطلبة من الأساس، ثم أقرت لائحة عام 2017 السارية حتى اليوم، والتي زادت من شروط الترشح صعوبة، حيث اشترطت أن يكون الطالب مستجدًا في فرقته الدراسية وليس عليه أي جناية سابقًا وحسن السمعة والسيرة بين زملائه ولا ينتمي لأي جماعة أو حزب سياسي.


أساتذة في المعتقلات

لم يكن الأساتذة أفضل حالًا من الطلاب رغم سنهم ومكانتهم العلمية، ففي عام 2014 صدر تعديل لقانون تنظيم الجامعات يقضي بتعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات بقرار مباشر من رئيس الجمهورية ذاته، وهو القرار الذي ألغى بجرة قلم آلية الانتخاب في اختيار القيادات الجامعية في محاولة لإبعاد الأكاديميين المُشتبه في خلفياتهم السياسية. ووقعت حوادث شهيرة مثل اعتقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور “حسن نافعة” بعد قليل من اعتقال أستاذ العلوم السياسية الدكتور “حازم حسني” الذي شغل منصب المتحدث الرسمي باسم حملة الفريق سامي عنان لانتخابات الجمهورية عام 2018، كذلك اعتقال الدكتور يحيى القزاز من جامعة حلوان بتهمة إهانة رئيس الجمهورية والقوات المسلحة على خلفية كتابات نقدية نشرها للوضع العام، أما أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة “أيمن منصور ندا” فقد أوقف عن العمل لمدة 18 شهرًا لانتقاده المذيعين أحمد موسى ونشأت الديهي عبر منشورات على الفيسبوك!

باختصار، أشاعت الدولة نظامًا من الرعب بين الأساتذة عن طريق التنكيل ببعضهم حتى زاد انخراط عدد من الأساتذة في الوشاية بزملائهم طمعًا في الترقيات والمناصب، وتحولت الجامعات المصرية إلى مقر آخر من مقرات الأمن الوطني التي تُطوق البلاد.

 

أضف تعليقك
شارك