نشر موقع “Globes” الإسرائيلي مقالا مهما حول دور مصر وقطر في التوصل إلى هدنة إنسانية في غزة، ولأهمية ما جاء فيه ننشره مترجما بالكامل.
النص المترجم
في الجولات السابقة من القتال بين إسرائيل وحماس، كان هناك نوع من المنافسة المستمرة بين مصر وقطر على أداء دور الوسيط الناجح لإبراز أهميتهما في العالم العربي وقدرتهما على التأثير على إسرائيل لصالح سكان غزة والفلسطينيين. وفي بعض الأحيان كانت الغلبة لمصر، وفي أحيان أخرى لقطر، خاصة عندما يتطلب الأمر استثمارات كبيرة في قطاع غزة. في الصراعات التي سبقت أحداث 7 أكتوبر، تعاونت مصر وقطر، رغم اختلاف أيديولوجياتهما، للتوصل إلى اتفاقات.
في الحرب الحالية كانت مشاركة مصر طفيفة. فبينما قادت قطر المحادثات من الناحية العملية، فإن مصر تشارك فيها من زاوية المساعدة على تنفيذ الصفقة على الأرض. هذا ما حدث في إطلاق سراح الرهينتين الإسرائيليتين يوشيفيد ليفشيتز ونوريت كوبر في 23 أكتوبر الماضي، والذي نُفذ عبر نقلهما بسيارة إسعاف إلى الجانب المصري، ليتم فحصهما من قبل الأطباء على الفور ثم نقلهما إلى إسرائيل. وهو الأمر نفسه بحسب التقارير التي ترد بشأن الصفقة الحالية، حيث تقود قطر المفاوضات بينما سيتولى الصليب الأحمر الدولي ومصر نقل وتسليم الأسرى.
يقول كبير الباحثين والمحاضرين في قسم الشؤون العربية والشرق أوسطية في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، الدكتور عوفر وينتر، الخبير في الشأن المصري، إن “مصر منخرطة في جهود الوساطة مع حماس ولكن هذه المرة، على عكس ما حدث في الماضي، لن تقود الوساطة مصر بمفردها، بل تفعل ذلك مع قطر، حيث تؤدي كل دولة منهما دورًا تكميليًا”.
يوضح وينتر أن هناك عدة عوامل لهذه الديناميكية:
أولاً، على عكس جولات القتال السابقة بين إسرائيل وحماس، فإن الولايات المتحدة منخرطة بعمق في الحرب الحالية وتمارس ضغوطًا كبيرة على قطر كي تساعد في عملية الوساطة والإفراج عن الرهائن الذين يحمل بعضهم الجنسية الأمريكية.
ثانياً، بعد هجوم 7 أكتوبر، وجدت قطر نفسها تتعرض لانتقادات دولية شديدة لاستضافتها قيادة حماس وتمويلها الحركة، ومن الممكن لهذا السبب أن يكون لها مصلحة في توسيع نطاق مشاركتها في عملية الوساطة، لتحسين صورتها المتضررة، وهذا يحدث إلى حد ما على حساب مصر.
ثالثا، من المحتمل أن حماس، التي دخلت هذه المرة إلى المفاوضات مع إسرائيل من موقع قوة، إذ في أيديها العديد من الرهائن، تمكنت من فرض مشاركة قطرية أعمق في عملية الوساطة، ودفع مصر جانبا إلى حد ما.
يضيف الدكتور وينتر “بينما تفضل إسرائيل وساطة مصر التي تعادي جماعة الإخوان المسلمين وتتصرف بشكوك تجاه حماس، فإن حماس تفضل قطر التي تراها وسيطا أكثر ملاءمة وموثوقية من مصر، ومن المتوقع أن تساعد في إنقاذ وبقاء حماس.
الوضع الاقتصادي الصعب في مصر
تمر مصر بوضع اقتصادي صعب يعتقد بعض الخبراء أنه حرج. فقد تضاعفت الأسعار فيها خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين في أكتوبر بنسبة 38 بالمئة. وانخفضت قيمة الجنيه المصري بنسبة 50% مقابل الدولار الأميركي، وبلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي 100%، ولا يوجد أي انفراج اقتصادي في الأفق.
تتلقى مصر منحًا بعشرات مليارات الدولارات من السعودية ودول الخليج الغنية، وذلك فقط للحفاظ على الاستقرار الإقليمي. ولا أحد، ربما باستثناء حماس في غزة وقطر وتركيا، يرغب في رؤية عودة الإخوان المسلمين في مصر إلى السلطة، وهو ما قد يقود إلى السيطرة على قناة السويس. إن التزام الغرب بالحفاظ على حكم عبد الفتاح السيسي عميق للغاية.
يقول الدكتور وينتر “بسبب ضائقتها الاقتصادية، أصبحت مصر تعتمد بشكل متزايد على دول الخليج، بما في ذلك قطر، وهي مضطرة إلى النظر في مواقفها أكثر من ذي قبل”، لكنه يضيف أن مصر لا تزال لديها “قدرة كبيرة للإبحار في عملية الوساطة خلال الحرب والتأثير على الواقع الذي سيتم إيجاده”. ويرجع ذلك، من بين أمور أخرى، إلى علاقاتها مع القيادة المحلية لحركة حماس في قطاع غزة، ومع إسرائيل وأدوات الضغط الناتجة عن سيطرتها على المعابر الحدودية إلى القطاع، والتي تُستخدم لنقل الأفراد والجرحى والمساعدات الإنسانية والوقود والبضائع، مما يجعل مصر بمثابة خط أنابيب أوكسجين إلى غزة، فتتولى القيادة وتنسق تدفق المساعدات الإقليمية والدولية التي تصل إلى القطاع.
وفي إطار هذا النشاط، عقدت مصر مؤتمر مساعدة لسكان غزة بعد أسبوعين من بدء الحرب. ولم تحضر المؤتمر إسرائيل أو الولايات المتحدة، بينما حضرته دول عربية بالإضافة إلى ممثلين أوروبيين. وفي المؤتمر وفي البيانات التي تلته، أوضح المصريون بشكل لا لبس فيه أنهم لن يكونوا مستعدين لقبول لاجئ واحد من قطاع غزة، حتى أن السيسي وعد بأن “الملايين في مصر سوف يتظاهرون اعتراضا على مخططات التهجير”
هل تنتقل الأزمة إلى مصر؟
يقول الدكتور وينتر “يجدر بنا أن نستمع إلى كلام رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي هذا الأسبوع، في جلسة برلمانية حول موضوع “الإجراءات الحكومية ضد محاولات تنفيذ الهجرة القسرية للفلسطينيين من قطاع غزة”، فقد شدد على أن مصر ترى أن مثل هذه الإجراءات خط أحمر وتهديد للسيادة المصرية. وحذر من أن أي محاولة إسرائيلية لترحيل الفلسطينيين إلى مصر ستؤدي إلى رد حاسم، وألمح إلى أن مثل هذه الخطوة يمكن أن ينظر إليها على أنها انتهاك لاتفاق السلام. وحتى لو لم يحمل كلامه تهديدا صريحا بالحرب، فقد أوضح أنها قضية حساسة يمكن أن تسبب أضرارًا جسيمة للعلاقات السلمية بين البلدين. كما أصبحت القضية جزءا من حملة دعاية السيسي قبيل انتخابات ديسمبر المقبل، والتي يقدم من خلالها نفسه والجيش المصري على أنهم هم الذين يحمون حدود الوطن من المؤامرات الخارجية.
إن الخطط الإسرائيلية التي ينشرها الوزراء ويتحدث عنها أعضاء الكنيست في وسائل الإعلام بشأن الهجرة القسرية لسكان غزة، لا تساعد في تهدئة مخاوف مصر. ويضيف د. وينتر: “إن الموقف الدولي والعربي السائد في هذه المرحلة يدعم مصر ومعارضتها لقبول اللاجئين أو النازحين من قطاع غزة في أراضيها، خاصة إذا تم ترحيلهم قسراً من طرف إسرائيل. كما أن لحماس مصلحة في بقاء غزة ذات كثافة سكانية عالية من المدنيين، ولم تطالب حتى الآن مصر باستقبال نازحين أو لاجئين، باستثناء علاج الجرحى والحالات الإنسانية.
في ظل الوضع الحالي الحساس اجتماعيا واقتصاديا في مصر، أصبحت الانتقادات الموجهة لإسرائيل أكثر حدة. “إن المناخ العام في مصر تجاه إسرائيل عدائي للغاية. الأمر لا يتعلق فقط بالتنفيس عن غضب النظام الذي يسمح بالتعبير عن الدعم للفلسطينيين. فحتى قبل الحرب، كانت هناك مسافة من القيادة الإسرائيلية، رافقه انتقادات مصرية لسياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية تجاه الفلسطينيين. بالإضافة إلى ذلك، في نظر العديد من المصريين، فإن الإضرار بحماس لا يبرر الإضرار بمن يعتبرونهم مواطنين فلسطينيين أبرياء.
وفي هذا الوضع يضيف الدكتور وينتر قائلاً: “إن الخوف المصري من ترحيل سكان غزة إلى مصر يصب الزيت على النار. وهذا السيناريو الذي لم يستبعده رئيس وزراء إسرائيل، تنظر إليه السلطات والجمهور المصري على أنه محاولة لتصدير الأزمة إلى مصر، وتنفيذ “نكبة ثانية”، وتصفية القضية الفلسطينية على حساب مصر.