الكُناسة.. أسر مصرية تبحث عما يسد الجوع في مخلفات المصانع والفنادق

على وقع الأزمة الاقتصاديَّة الوجوديَّة التي يحياها المصريون، حيثُ تجاوز التضخم في أحدث الأرقام الرسميَّة أكثر من 36% في يوليو الماضي، وأصبحت مصر واحدةً من أعلى دول العالم ارتفاعاً في أسعار السلع ضمن أبرز مؤشرات قياس التضخم العالميَّة، تغيرت أنماط الحياة لدى المصريين.

لم يتمَّ التخلي عن الرفاهيَّات فقط، من نزهات وأسفار وتدخين وتسلية، وإنما تغيَّرت سلبا السلَّة الغذائيَّة لشرائح معتبرة من المصريين، كمًا ونوعًا، حتَّى صارت هناك أسواق رائجة لزيت الطعام المستعمل وأصناف ربما لم يخطر على بال أحد شيوعها على هذا النحو.

ما هي الكناسة؟

“الكُناسة” في لغة التجَّار والأسواق الشعبيَّة هي مخلفات المطابخ التجاريَّة ومصانع الأغذية والفنادق الَّتي كان يتمّ التخلص منها سابقًا إما بإعدامها صحيًا وفقًا لمعايير السلامة أو بتدويرها في صناعة المخلفات لكي تصبح موادًا عضويَّة، وفي أسوأ الظروف كانت تُلقى للقطط والكلاب البلديَّة.

منذ حوالي عقد، بدأ اقتصاد الكناسة بأطنان بطاطس الشيبسي المهرَّبة من المصانع حيث تُعبأ وتباع بأسعار زهيدة في المناطق الفقيرة، إضافةً إلى بعض منتجات المياه الغازيَّة.

ولكن مع اشتداد الأزمة الاقتصاديَّة وتغير عادات المصريين المعيشيَّة قسرًا، أخذت تلك التجارة تتوسَّع أفقيًا ورأسيًا، حتَّى ضمت اللحوم المخلوطة التي تجمع من صناديق القمامة الخاصة بالفنادق، وإذا بهذه الأسواق السرية تزحف إلى معظم المناطق الشعبية لكي تعمل في العلن، تحت أعين المسؤولين.

أين المشكلة؟

تفتقد تلك الأطعمة إلى أبسط معايير السلامة الغذائية إنتاجًا وحفظًا وتداولًا، فالشيبسي غير مغلَّف ومتروك في العراء، وتعبث به أيادي التجَّار والزبائن، أما المغلَّف منها مثل منتجات البقالة، ففي معظم الأحيان، تكون منتهية الصلاحيَّة أو بلا صلاحيّة مدونة، أو تم تعديل تواريخ صلاحيتها من التجار تلافيًا للمشاكل مع المشترين.

تستهدف تلك التجارة شريحة “الأطفال” في مراكز تجمعهم بالمدارس وبالقرب من مراكز الشباب والسناتر والكافيهات والملاهي والأسواق العامة، لكي تغري غرائزهم بالحلوى الرخيصة مجهولة المصدر، ما يعرّض حياتهم إلى الخطر. 

لقد صورت إحدى السيّدات التي تعمل في مجال إعداد محتوى الطعام مقطعًا استقصائيًا رائجًا ضمن صحافة المواطن، حاول فيه باعة تلك الأطعمة الاعتداء عليها بمجرَّد أن أظهرت كاميرا الهاتف أثناء تصوير فرشة تديرها سيدة بأحد الأسواق، ثم وثَّقت لاحقًا تعرضها لإعياء شديد بعد تجربة بعض منتجات البقالة التي اشترتها من تلك السيدة التي يتجمع حولها عدد كبيرٌ من الزبائن.

 يربط المتخصصون في التغذية وطب الأطفال حالات الإعياء الَّتي ترد إليهم بعد تناول تلك المنتجات بسوء حالات حفظها وانتشار التلوث بها، فضلاً عن احتمالات إصابة متناوليها بالسرطان الناتج عن مادة “الكريلاميد” التي تعد أثرًا لتفاعل النشا والسكر مع الزيت على المدى البعيد.

مفهوم الحياة

بالنسبة لشرائح غير بسيطة من المصريين، صار مفهوم الحياة مقتصرًا تقريبًا على الوظائف البيولوجيَّة البدائيَّة: محاولة سد الجوع بأيّ شكل مهما كان خطيرًا، المهم أن يسدّ الجوع، والشراب والنوم، دون سؤال عن الترفيه أو جودة الحياة أو المستقبل الجيد.

خلال عقد، تغيَّرت العادات المعيشيَّة لمعظم المصريين لينتشر طعامَ الكُناسة في ظل العزوف عن شراء البروتين الحيوانيّ، وتناقص الكميَّات المستهلكة إلى حدودها الدنيا. فبعض المحلَّات صارت تبيع أكياسًا شعبيَّة من الشاي والسكر تتضمن عدة “تلقيمات”، وبعض المجازر باتت تبيع اللحوم بـ”القطعة”، ووفقًا لتقرير في جريدة “المال” مايو الماضي، فإنَّ 40% من المقبلين على الزواج مؤخرًا تحولوا إلى شراء الآثاث المستعمل، كما روجت مؤسسات حكومية لفوائد أرجل الفراخ بعد ما ارتفع سعر هياكل الفراخ إلى 50 جنيهًا للكيلو الواحد.

تطرح تلك التحولات الاجتماعيَّة أسئلة كثيرةً عن الآثار الصحيَّة المتوقعة على النشء، لا من حيث الواجب الأخلاقي المفروض على المسؤولين تجاه صحة المواطن فحسب، وإنما أيضًا في تأثير ذلك على قدرة الإنسان على العمل والإنتاج والتصدير، الذي تقول الحكومة إنه الحلّ الوحيد لإصلاح مشكلات البلاد.

 شاركنا رأيك: كيف أثرت الأزمة الاقتصادية على نمط حياتك؟

 

أضف تعليقك
شارك