خلال العام الجاري، أعلنت د. بثينة الجنيدي رئيسة قسم النساء والولادة في مستشفى أبو حمص بمحافظة البحيرة، في أحد المؤتمرات بحضور السيسي، أنه بناء على توجيهات من وكيل وزارة الصحة بالبحيرة تقوم المستشفيات بوضع وسيلة لمنع الحمل “لولب” للأمهات بعد الولادة القيصرية مباشرة، بحجة أن الأم عادة ما تفكر لاحقا في عدم تركيب اللولب. وأوضحت أن نسبة تنفيذ هذا الإجراء وصلت إلى 98 % من النساء في البحيرة بعد الولادة. وقد طالبت الرئيس بتعميم تلك المبادرة على بقية المحافظات.
أثار حديث د. بثينة الجندي حالة من الجدل على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد كشفت العديد من السيدات أن تركيب اللولب في المستشفيات الحكومية أصبح إجباريا، إذ يُعد شرطا لإجراء عملية الولادة القيصرية، بينما تنفي وزارة الصحة حدوث ذلك.
بعيدا عن الجدل حول تركيب اللولب هل أصبح إجباريا أم لازال اختياريا، فقد أفاد الأطباء بأنهم بدأوا منذ عام على الأقل بناء على توجيهات حكومية في إخبار النساء الحوامل بمخاطر وتداعيات التركيب عقب الولادة بفترة، ويتحدثون معهن عن ميزات وضع اللولب دون إخبارهن بالأضرار التي قد تحدث جراء ذلك، كما توقع الممرضات في المستشفيات بالنيابة عن الأمهات الحوامل باعتبارهن موافقات، فيما تُفرض جزاءات على الأطباء الذين لا يقومون بتلك الإجراءات.
خطورة تركيب اللولب بعد الولادة
يري العديد من الأطباء أن مبادرة تركيب اللولب تضر بصحة المرأة، لأنها لا تراعي أن لكل امرأة وسيلة منع حمل تناسبها، فبعض السيدات لا يناسبهن اللولب وخصوصا النحاسي نظرا لخطورته على المصابات بالأنيميا أو أمراض الحوض والالتهابات والمصابات بحساسية النحاس، كما أن التركيب وفق الطريقة المتبعة حاليا ربما يؤدي إلى العقم بشكل نهائي. ويفيد عدد من الأطباء بأن على المرأة الانتظار بعد الولادة 4 أسابيع كحد أدنى مع إجراء فحوصات شاملة قبل تركيبه، فتركيبه بعد الولادة مباشرة أو في غضون ثلاثة أيام منها قد يتسبب في سقوط اللولب، وحدوث نزيف حاد، وصعوبة في إخراجه بسبب انقباض الرحم عليه.
التهديد بخفض الدعم، وتقديم مكافأة هزلية
لم تكن المبادرة المذكورة هي الخطوة الوحيدة المتبعة لتحديد النسل، بل وصل الأمر للتهديد بحجب الدعم الحكومي، فقد سبق للسيسي أن قال” لن نخصص بطاقة تموين لأكثر من فردين مستقبلا، والمواليد الجدد ليس لهم تموين”. كذلك أطلقت الدولة مبادرة لترغيب السيدات بعدم إنجاب أكثر من طفلين مقابل مبالغ مالية هزلية، بحيث تحصل المرأة المشتركة في المبادرة ممن تتابع بشكل دوري في مراكز الصحة، على 1000 جنيه سنويا، تأخذها بشكل تراكمي عند بلوغها 45 عاما، بمعنى لو اشتركت المرأة في عمر 30 عاما ستحصل على 15 ألف جنيه مكافأة عدم إنجاب طفل ثالث.
شماعة الكثافة السكانية
لا يكاد يخلو خطاب من خطابات السيسي إلا ويعزو سبب تردي الوضع الاقتصادي وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية إلى النمو السكاني، قائلا إنه لا حل للخروج من الأزمة الاقتصادية إلا بتقليل نسبة النمو إلى 400 ألف مولود سنويا بدلا من 2.1 مليون طفل سويا حاليا، في حين أن الأرقام توضح أن معدل النمو السكاني في هبوط حيث بلغ في عام 2014 نحو 3.5 مولود لكل سيدة ثم انخفض إلى 2.8 مولد لكل سيدة في عام 2021، فالنمو السكاني في هبوط بينما الاقتصاد يتدهور، مما يدل على أن سوء الإدارة والفساد هو المتسبب في الأزمات لا النمو السكاني.
بلد العجائب
تتجه دول العالم إلى زيادة الكثافة السكانية للحفاظ على كتلة سكانية شابة، فعلى سبيل المثال نجد الحكومة الكورية رصدت مبلغ 200 مليار دولار أمريكي خلال 16 عاما للتحفيز على الإنجاب، وفي روسيا تحصل الأسرة التي تنجب 10 أطفال على 16 ألف دولار، كما تُخصص مبالغ مالية للأسر التي تنجب أكثر من سبعة أطفال، أما تركيا فهي ترفع شعار” الطفل الوحيد غريب، والاثنان بينهما تنافس، والثلاثة أول التوازن، وفي الرابع بركة، وفي المزيد كرم من الله “.
وتؤكد د. هبه الليثي أستاذة الإحصاء بجامعة القاهرة أن الزيارة السكانية إيجابية في حال أحسنت الدولة استثمارها، ومثال ذلك الصين والهند لديهما عدد سكان ضخم، ولكن السياسات الاقتصادية استغلت السكان للنهوض بالاقتصاد على عكس الحاصل في مصر.
والعجيب أن الدولة التي تعاني من العوز على حد تعبير السيسي تنفق مبالغ طائلة على مشروعات عديمة الجدوى، وبدلا من أن توقف شلال الفساد، إذا بها تحارب أحد أهم مقومات النهوض وهو العنصر البشري.