المقدمة:
في 2 نوفمبر 2023 نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي مقالا مطولا عن الأزهر بمصر لكل من مايكل باراك الباحث في المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب (ICT)، وأوفير وينتر المحاضر في قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة تل أبيب. وجاء المقال بعنوان” كيف أصبح معقل الاعتدال الديني داعماً للإرهاب؟”، ونظرا لأهمية مضمونه وخطورة ما ورد فيه من توصيات تتضمن الضغط على القاهرة لإقالة شيخ الأزهر أحمد الطيب، فسننشر ترجمة كاملة لما ورد فيه مع التجنب قدر الإمكان لبعض التعبيرات المسيئة الواردة فيه أو التي تتبنى سردية الاحتلال.
نص المقال:
منذ الهجوم الذي شنته حماس ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر، غابت الإدانات بخصوصه من جانب الشخصيات الدينية في العالمين العربي والإسلامي بشكل ملحوظ. ومن الفظائع بشكل خاص غياب إدانة من الأزهر في مصر، والذي يعتبر مؤسسة دينية سنية عريقة ومرموقة، ويتمتع بموجب الدستور المصري بميزانية من الدولة فضلا عن تلقيه دعما ماليا من دولة الإمارات. فالمؤسسة التي اعتادت مصر تقديمها كمنارة “للاعتدال الديني” وحامل للواء النضال الإيديولوجي ضد التطرف الإسلامي، تبين أنها داعمة للإرهاب. فمنذ اندلاع الحرب، قام الأزهر بحملة تهدف إلى إثارة عداء الرأي العام العربي والإسلامي ضد إسرائيل ومؤيديها في الغرب. وفي ضوء الوضع المضطرب، يتعين على إسرائيل ومصر وأصحاب المصلحة الدوليين والإقليميين المؤثرين أن يعملوا بسرعة وبتصميم لكبح جماح هذا الخطاب الخطير.
إن الأزهر مؤسسة إسلامية عريقة تأسست بالقاهرة في عام 998 ميلاديا كجامعة لدراسة الإسلام. ثم أممه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في عام 1961 ووضعه تحت سيطرة الحكومة المصرية. ومنذ ذلك الحين، أصبح أداة لإضفاء الشرعية الدينية على سياسات الأنظمة المتغيرة في مصر ونشر رسائلها داخليًا وخارجيًا، بما في ذلك ما يتعلق بموضوع العلاقات مع إسرائيل. وفي الوقت نفسه، يتمتع الأزهر ببعض المساحة للاستقلال عن النظام الحاكم، لا سيما في قضايا الدين والمجتمع.
تعد جامعة الأزهر من أكبر الجامعات في العالم، حيث يدرس فيها نحو نصف مليون طالب، بينهم عشرات الآلاف من الطلاب الأجانب، ولها فروع في جميع أنحاء العالم. وفي مصر، يدير الأزهر أيضًا نظامًا تعليميًا لنحو مليوني تلميذ، أي حوالي 10 بالمائة من طلاب المدارس.
منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، تبنى الأزهر رسالة ذات شقين. فمن ناحية، فهو يحارب خطاب وأيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية الجهادية مثل داعش، بحجة أنها تشكل تهديدًا لاستقرار مصر ونظام حكمها. وبالإضافة إلى ذلك، يعمل الأزهر أيضًا على تعزيز الحوار والتعايش والتسامح بين المسلمين والمسيحيين داخل مصر وخارجها. وعلى هذا النحو، فقد قدم الأزهر نفسه كلاعب ديني عالمي وزعيمة للجبهة الأيديولوجية ضد الجماعات الإسلامية المسلحة، بصرف النظر عن تلك التي تقاتل إسرائيل.
من ناحية أخرى، وعلى مدى أكثر من عقد من الزمان، شجع الأزهر باستمرار الخطاب العدائي تجاه إسرائيل، ومنح الموافقة الدينية والأخلاقية للمقاومة العنيفة ضدها. ويسعى بعض هذا الخطاب إلى دعم نضال الشعب الفلسطيني ضد ما يسميه الأزهر بالكيان الصهيوني فضلا عن التحذير من مخططات إسرائيل المزعومة لتهويد فلسطين والسيطرة على الأقصى، وكشف جرائمها ضد الفلسطينيين أمام أعين الرأي العام العربي والدولي. وفي أوقات التوتر المتصاعد بين إسرائيل والفلسطينيين، يتضمن الخطاب دعوة للعرب والمسلمين للوقوف في طليعة النضال ضد إسرائيل، مع تصريحات معادية للسامية مثل “الصهاينة أعداء الإنسانية”.
يعتبر الشيخ أحمد الطيب، الإمام الأكبر للأزهر منذ عام 2010، الروح الدافعة وراء هذا النهج المتشدد تجاه إسرائيل. وكثيراً ما يردد رسالة مفادها أن “كل احتلال سوف يختفي عاجلاً أم آجلاً”، أي أن وجود إسرائيل مؤقت ومصيره الدمار، كما يحافظ الطيب على اتصالات منتظمة ومفتوحة مع قادة حماس، على عكس القيادة المصرية التي تجنبت أي اتصال مباشر مع الحركة منذ سيطرتها على قطاع غزة من السلطة الفلسطينية في عام 2007.
في ديسمبر 2017، أشاد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، بالطيب لرفضه لقاء نائب الرئيس الأمريكي آنذاك مايك بنس احتجاجا على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. وفي فبراير 2019، استقبل الطيب وفداً من كبار أعضاء حماس، بمن فيهم هنية وصالح العاروري، والذين شكروه على جهود الأزهر لصالح الفلسطينيين. من جانبه، أعرب الطيب عن أسفه لأن الخلافات الداخلية تصرف المسلمين عن القضية الفلسطينية، وهو ما اعتبره “يخدم مصالح الاحتلال ويساعده على تحقيق أطماعه في ابتلاع فلسطين”.
حملة الأزهر لدعم حماس
نشر الأزهر بيانا يوم هجوم 7 أكتوبر، والذي شهد مقتل 1400 مدني وجندي إسرائيلي وأجنبي، قال فيه إنه “يحيى بكل فخر جهود المقاومة التي يبذلها الشعب الفلسطيني”. كما دعا الأزهر إلى “تعزيز الشعب الفلسطيني الأبي الذي نفخ فينا الروح والإيمان وأعادنا إلى الحياة”. وبعد أربعة أيام، تحدث الطيب مع هنية، الذي سعى إلى حشد دعم الأزهر لإنهاء ما سماه ب“العدوان الإسرائيلي على غزة”. ورد الطيب: قلوبنا معكم. نحن نحزن على تلك المذبحة في غزة”.
إن موقف الأزهر لا ينبع من جهله بما ارتكبته حماس ضد الإسرائيليين، وهي الفظائع التي أدينت بشدة في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك من قائمة طويلة من المثقفين العرب المسلمين. والعكس هو الحال: ففي 18 أكتوبر، أصدر الأزهر فتوى تنص على أن “المدنيين الصهاينة في الأراضي المحتلة لا يستحقون على الإطلاق وصف المدنيين، لأنهم محتلون للأرض، ومغتصبون للحقوق، منحرفون عن طريق الأنبياء، ويعتدون على الأماكن المقدسة التاريخية في القدس. إن فتوى الأزهر بعدم وجود مواطنين إسرائيليين “أبرياء” يجعل قتلهم مسموحًا به.
بعد أربعة أيام، نشر الأزهر بيانًا آخر باللغات العربية والإنجليزية والعبرية، بعنوان “الاحتلال مصدر كل الشرور”. لقد طرح البيان أسئلة على ضمير الإسرائيليين فيما يتعلق بـ “جرائمهم” على مدى السنوات الـ 75 الماضية، لكنه كان خاليا من أي فحص نقدي لسلوكيات حماس. وشملت الاتهامات الموجهة ضد إسرائيل القتل العشوائي للمدنيين، وجرائم الحرب، وانتهاكات القانون الدولي، والتطرف الديني.
وفي تصريحاته المتكررة منذ بداية الحرب، قدم الأزهر الدعم الديني والمعنوي لتصرفات حماس، وشجع أتباعها بين الجمهور الفلسطيني والمصري، وفي العالم السني بشكل عام، على ارتكاب أعمال عنف ضد إسرائيل. بعد صلاة الجمعة يومي 13 و27 أكتوبر، خرج المتظاهرون من حرم الأزهر وهم يهتفون “بالروح بالدم نفديك يا الأقصى”، و”خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود”. ودعا الأزهر في فتواه الفلسطينيين إلى الوقوف صفا واحدا في وجه الاحتلال، وحث الشعوب العربية والإسلامية على مساعدتهم بكل ما يستطيعون.
كيف تنظر السلطات في القاهرة إلى تصريحات الأزهر؟
ووفقا لصحيفة العرب ومقرها لندن، فخلال الحرب قامت الحكومة المصرية بتجنيد الأزهر لتشكيل الرأي العام المصري والعربي والإسلامي لتلبية احتياجاتها. وأوضح عضو البرلمان المصري السابق، محمد أبو حامد، أن “الأزهر يتعامل مع القضايا المتعلقة بالأمن القومي المصري باعتباره جزءا من الدولة وليس كمؤسسة منفصلة، ومن الطبيعي أن يتصرف وفق الخطوط العامة للسياسة الرسمية دون الخروج عنها”.
وبالفعل، فإن تصريح السلطات للتظاهر من جامع الأزهر، والتداخل بين بعض رسائل النظام والأزهر، يوحي بوجود بعض التنسيق بينهما. على سبيل المثال، حذر السيسي من أن تهجير النازحين الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء سيؤدي إلى “تصفية القضية الفلسطينية” والقضاء على فكرة الدولة الفلسطينية. وبالمثل، دعا الأزهر “الفلسطينيين للتمسك بأرضهم”، قائلاً: “”خير لكم أن تموتوا على أرضكم فرساناً وأبطالاً وشهداء من أن تتركوها للمستعمرين الجشعين”. “واعلموا أن التخلي عن أرضكم يعني الموت للقضية الفلسطينية التي هي قضيتكم وقضيتنا، وزوالها إلى الأبد”. بالإضافة إلى ذلك، نقل متحدثون باسم النظام والأزهر رسائل مماثلة في انتقادهم لانحياز الدول الغربية لصالح إسرائيل.
بينما تعلن الحكومة المصرية التزامها بمعاهدة السلام مع إسرائيل، يشير الأزهر إلى إسرائيل على أنها “عدو طاغية” ويطلق عليها باستمرار اسم “الكيان الصهيوني”. وكثيراً ما تظهر مواقفه معايير مزدوجة ومعاداة للسامية. وفي حين سبق للأزهر أن أصدر فتوى بتحريم اختطاف الأطفال والنساء وإباحة عقوبة الإعدام لخاطفيهم، إلا أنه امتنع عن إصدار دعوة بهذه المضمون فيما يتعلق بالأطفال والنساء الإسرائيليين الذين اختطفتهم حماس. بالإضافة إلى ذلك، وعلى خلفية الحرب، دعا أحد علماء الأزهر إلى مقاطعة الشركات العالمية المملوكة لليهود والتي تعمل مع اليهود حيث وصفهم بالشعب الخائن.
التوصيات
إن خطاب الأزهر يمنح الشرعية، وربما حتى الإلهام، للأعمال الإرهابية. وفي 8 أكتوبر، أي اليوم التالي لإعلان الأزهر دعمه لهجوم حماس، أطلق شرطي مصري النار على ثلاثة سياح إسرائيليين في الإسكندرية فقتلهم. وسارع الأزهر إلى الإعلان عن عدم جواز تعرض السائحين الذين يزورون مصر للأذى، لكنه امتنع عن إدانة جريمة القتل صراحة. بالنسبة لأولئك الذين قتلوا، كان هذا قليلًا جدًا ومتأخرًا جدًا. وإزاء الأجواء العامة المعادية، قامت إسرائيل بإجلاء موظفي سفارتها في القاهرة، ورفعت التحذير من السفر إلى مصر إلى أعلى المستويات.
إن دعم الأزهر لحماس يجعل من الصعب على العناصر الإسلامية الأخرى المتأثرة به في العالم العربي أن تطرح موقفاً يدين أنشطة حماس. ومن الأمثلة البارزة على ذلك دولة الإمارات التي عززت لسنوات روح التسامح الديني. وبينما أدانت وزارة الخارجية الإماراتية قتل المدنيين الإسرائيليين، تبنى مجلس علماء المسلمين الذي أنشأته الإمارات مع الأزهر موقفا أحاديا ودعا إلى وقف “العدوان الإسرائيلي”. كما امتنع رئيس مجلس الإفتاء الإماراتي عبد الله بن بيه عن إدانة هجمات حماس.
فمن مؤسسة قدمت نفسها على أنه معقل لمكافحة التطرف، أصبح الأزهر للأسف أحد مصادر التطرف، وهو ينشر رسائله السلبية عبر وسائل الإعلام التقليدية، ووسائل التواصل الاجتماعي، وبعض مناهجه المدرسية والأكاديمية. فالرعاية الدينية والسياسية التي يمنحها للإرهاب الفلسطيني في أبشع صوره تتسبب في أضرار جسيمة، الأمر الذي قد يؤدي إلى حروب دينية من شأنها أن تهدد استقرار الشرق الأوسط. ويجب على مصر وإسرائيل والمجتمعين الإقليمي والدولي أن يواجهوا هذا السلوك فورًا من خلال عدة مسارات:
أولاً، يجب دعوة النظام المصري إلى كبح جماح الأزهر:
يجب على إسرائيل والولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة مثل السعودية والإمارات، أن تطالب الحكومة المصرية – التي تعد المصدر الرئيسي لنفوذ وتمويل الأزهر – ببذل جهودها الكاملة لمنع الأزهر من نشر رسائل عدائية، وزيادة التوترات السياسية والدينية، وتشجيع نظريات المؤامرة. كما أن قيام السلطات المصرية بإجراء فحص شامل لسياساتها تجاه الأزهر يصب في مصلحة مصر، لأن التطرف الديني يمكن أن يعرض النظام للخطر ويعرض رؤية السيسي الإقليمية للسلام والاستقرار والتنمية للخطر. وقد تتطلب مثل هذه الخطوة تغييرات تشريعية في مصر لإتاحة استبدال الإمام الأكبر للأزهر.
ثانياً، تقويض السمعة العالمية للأزهر:
يجب على إسرائيل والمنظمات اليهودية وشركائهم في العالم رفع الوعي الدولي بحقيقة فشل الأزهر في الوفاء بالمهمة التي أوكلتها مصر إليه في مكافحة الإرهاب والأيديولوجيات المتطرفة، وبدلاً من ذلك يعزز الخطاب المعادي للسامية ويشجع الكراهية والأنشطة الإرهابية ضد الإسرائيليين. وإلى أن تتغير هذه السياسة، يجب على العناصر الإقليمية والدولية استخلاص النتائج المطلوبة من قبيل إعادة النظر في علاقاتها مع الأزهر وقياداته؛ إعادة النظر في قدرة الأزهر على العمل كشريك موثوق به في الحوار بين الأديان والحرب ضد التطرف الديني؛ وزيادة الرقابة على فروعه في العالم.
ثالثاً، عرقلة تمويل الأزهر:
يجب على الجهات الفاعلة المصرية والإقليمية والدولية التي تقدم الدعم المالي للأزهر، بما في ذلك الإمارات، إعادة النظر في مساعداتها للأزهر. كما أن المساعدات الأميركية المقدمة لمصر لدورها في مكافحة الإرهاب يجب أن تكون مصحوبة بطلب كبح جماح الأزهر.