شيئًا فشيئًا في مصر يتحول شُرب كوب من الشاي بحليب ضمن “الإفطار” إلى نوع من الرفاهية بسبب غلاء الألبان الجنوني منذ عام 2022، ومما يفاقم المشكلة أن غلاء الألبان يجر معه غلاء أنواع أخرى من مشتقاته كالجبن بأنواعه والزبادي وخلافه من أصناف الطعام التي كانت في متناول اليد من قبل، ففي زمن قريب اكتفى البُسطاء بقطعة من الجبن “القديم” وشرائح من البطيخ أو عناقيد من العنب في تناول وجبة غذاء خفيفة غير مُكلفة.
في مطلع عام 2022 تراوح سعر كيلو اللبن بين 11 و14 جنيهًا، وفي أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية مباشرًة زادت أسعار اللبن ومشتقاته أكثر من مرة بنسبة وصلت إلى 100%، وفي الآونة الأخيرة وصل سعر كيلو اللبن في بعض المدن إلى “30 جنيهًا” للكيلو الواحد.
فتش عن الدولار
ساهمت العديد من العوامل في غلاء أسعار الألبان، فرفع سعر السولار من فترة لأخرى أثر على سعر اللبن حيث ترتفع تكلفة نقله من الريف إلى الحضر، ولكن السبب الأهم يكمن في انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، ففي قطاع الثروة الحيوانية تعد مصر من أكثر الدول تأثرًا بارتفاع أسعار الأعلاف عالميا، حيث تستورد أعلاف الصويا والذرة من خارج البلاد.
ومع انخفاض قيمه الجنيه وشح الدولار ارتفع سعر طن الذرة من 6 آلاف جنيه إلى 14 ألف جنيها، ورغم ذلك لا تكفي الكمية المستوردة لتلبية حجم الطلب عليها. كذلك تُحتجز أطنان من الأعلاف في الجمارك بانتظار الإفراج عنها. ولفهم تداعيات ذلك يكفي ان نعرف أن إنتاج طن واحد من اللبن يتطلب استهلاك 6 أطنان من الأعلاف.
تسبب ارتفاع أسعار الأعلاف في تخلي بعض المزارعين عن أنشطتهم في إنتاج الألبان ومشتقاتها، وصولا إلى بيع الماشية التي يمتلكونها بسبب عدم القدرة على توفير الغذاء المناسب لها، وبناء على ذلك انخفضت بشكل كبير كمية الألبان المُنتجة في السوق المصري، ولكن السوق رغم ذلك لم يواجه من حالة ندرة في المُنتج وهذا راجع لأن العديد من الأسر قد لجأت إلى ترشيد الاستهلاك والتخلي عن شراء ما هو غير ضروري من الألبان ومشتقاتها، عملًا بنصيحة الرئيس بأن “اللي تلاقيه غالي متشتريهوش!”.
الجهل وتداعياته
بجوار ما سبق، فقد برزت أزمة أخرى، فمنذ عام 2017 حتى 2021 انخفض إجمالي ما تملكه مصر من مختلف قطعان الماشية من 17 مليون رأس إلى 7.5 مليون رأس وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وهذه الكارثة تعزى إلى انتشار أوبئة بين القطعان، في ظل التوسع في عمليات استيراد الماشية بهدف مضاعفة إنتاج الألبان واللحوم، دون خضوعها للحجر البيطري اللازم للتأكد من خلوها من الأمراض المعدية وفق توجيهات السيسي، وهو ما تسبب في انتشار أمراض مختلفة لم تكن منتشرة في مصر من قبل.
الحر.. وانقطاع الكهرباء
من المُتعارف عليه في السوق أن أسعار الألبان والأجبان تزيد في الصيف قليلًا ثم تتراجع فيما بعد لأسباب مثل قلة البرسيم والمناخ الحار الذي يزيد من نسبة الهالك لدى المُنتج، وفي صيف عام 2023 زادت الخسائر بسبب انقطاع الكهرباء المتكرر بشكل يومي لساعات طويلة مما رفع نسبة الهالك لدى المُنتجين، مما انعكس على رفع أسعار المنتجات.
من جانبها، تكتفي الحكومة باتهام المنتجين بأنهم السبب في الأزمة بحجة أنهم قاموا “عمدًا” بخفض إنتاج الألبان بدلًا من تقليل أسعارها، وكأن هذا الأمر بالتحديد هو جوهر الأزمة.
شاركنا تجربتك، كم يبلغ سعر لتر اللبن في مكان سكنك؟ وهل تستهلك نفس الكميات من الجبن والألبان التي كنت تستهلكها سابقا؟