سوق الدواء في مصر: الدعاية الرسميَّة والواقع المرّ

لا يكاد يمرّ يومٌ في مصر إلا وتختفي تماما أصناف دوائية مهمّة أو يتضاعف سعرها، وهو الواقع الذي يندر تناوله بجديَّة في المنابر الرسميَّة والقنوات المقرّبة من الحكومة.لا تزداد أسعار الأدوية جنيهًا أو جنيهين أو عشرة، وإنما تقفز فجأة في مدد زمنيَّة قصيرة للغاية، إلى درجة توثيق بعض المهتمين بالقطاع الصيدلي تواجد صنف دوائي واحد بـ 3 أسعار مختلفة على الرفّ في نفس الوقت.

 ماذا يحدث؟

 يوميًا ترصد التجمعات المهنية للصيادلة على وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها منصة “آخر الأنباء في أسعار وتوافر الدواء” حركة المنتجات والأصناف في السوق المصرية، ولعلّ أحد أكثر الوقائع غرابة هو توثيق وجود دواء “ڤستاريل 35” لدى بعض الصيدليات مسعّراً بثلاثة أسعار مختلفة، هي 79 جنيهًا ثم 91.5 جنيهًا، وصولا إلى 112.5 جنيهًا، في دلالة على الاضطراب الذي أصاب مهنة الصيدلة التي طالما كانت مستقرّة.

 تحت وسم “توحش” يدون الدكتور محمود فؤاد رئيس المركز المصري للحق في الدواء عيّنات من الحركة السعريَّة لبعض الأصناف المهمة لدى المرضى، ومن بين تلك المشاركات الإشارة إلى وصول عقار “أنتريستو” 50 جم الضروري لمرضى ضعف عضلة القلب، خاصة من كبار السن، إلى سعر 1369 جنيهًا.

وبحسب وقائع سجلها مواطنون عبر الإعلام البديل، فإنَّ القلاع الطبية الكبرى في قلب القاهرة مثل القصر العيني ومعهد القلب، تعاني صيدلياتها من شحٍّ في الأدوية المقدمة إلى المواطنين الذين يترددون عليها يوميًا ممن لا يمتلكون تغطية تأمينيَّة، وهي المؤسسات التي يفترض أنَّ هيئة الشراء الموحد تتولى توريد الأدوية إليها منذ 2019.

 أين المشكلة؟

لا يتعلَّق الأمر، كما يبدو، بانخفاض قيمة العملة المحلية أمام العملة الصعبة التي تُستخدم في استيراد المواد الخام فقط، وإنما تشير تحليلات مستقلة إلى اتخاذ قرار إستراتيجي فوقي منذ عام 2016 بترك المجال مفتوحًا أمام الشركات المنتجة للأدوية محليًا والشركات المستوردة للزيادة الدوريّة في الأسعار، دون اعتبار لمصلحة المواطن.

 

ففي 2016، استغلالًا لملابسات التعويم الأول للعملة، وبالمخالفة للتقاليد المهنية المتبعة في المراجعة الصارمة لطلبات إعادة تسعير الأدوية، تمَّ رفع أسعار 6 آلاف صنف دوائي في يومٍ واحد، نزولًا على رغبة تلك الشركات التي لا تفكر إلا في الربح.

وفي عام 2019، صدر قانون بتأسيس “هيئة الدواء المصريَّة”، وهي الذراع الثاني للتحكم في سوق الدواء المصري، جنبًا إلى جنب مع هيئة الشراء الموحد التي يرأسها اللواء بهاء الدين زيدان، والملفت أن هيئة الدواء التي تشرف على الرقابة على عملية إنتاج وتداول وتخزين الأدوية في السوق المصرية، قامت بتخفيض عدد مفتشيها الميدانيين من 2200 شخص إلى 440 شخص فقط مما أدى إلى عجز في قدرتها على متابعة سلاسل التوريد.

الدعاية الرسمية

المفارقة اللافتة، أنَّ السيسي سبق أن دشن في عام 2021 مشروعًا صناعيًا عملاقًا في مدينة الخانكة، وصف بأنه الأكبر في الشرق الأوسط، لتوطين صناعة الدواء، على مساحة 180 ألف متر مربع، كما أصدر السيسي آنذاك توجيهات لعدد من القادة العسكريين رفيعي المستوى بالشروع في إنشاء 6 مخازن عملاقة لتخزين الأدوية وتوفير احتياطي إستراتيجي.

 بالعودة إلى أرض الواقع، يتخوف محمود فؤاد من أنَّ الأزمة الدوائية ربما لم تبدأ بعد، محذراً من كارثة محتملة بدايةً من شهر أكتوبر القادم إذا لم تتخذ الجهات المسؤولة إجراءات جادة لتوفير المواد الخام للمصانع وتكثيف الرقابة على التخزين والتداول، مشيراً في تقرير حديث للمركز المصري في الحق في الدواء، إلى احتمال رفع التسعير الجبري على الأدوية، وتركها مثل باقي السلع ضمن معادلة العرض والطلب.

شاركنا: هل لاحظت تغيراً في أسعار الدواء مؤخرًا؟ وهل تتوقع أن تساعد المدينة الدوائية والمخازن الجديدة في إعادة الاستقرار إلى سوق الدواء؟

أضف تعليقك
شارك