يركز الرأي العام في مصر غالبا على معاناة معلمي المدارس الحكومية، نظرا لمعاناتهم نتيجة ضعف رواتبهم وتردي الحالة الإدارية في المؤسسات التعليميَّة، وارتفاع الكثافة الطلابية في معظم المدارس، وشيوع البلطجة بين التلاميذ، لكن لا يدرك كثيرون حجم معاناة المعلمين في المدارس الخاصة، وبالأخص في ظل تحري المؤسسات الإعلامية عدم إزعاج أرباب هذا البيزنس العملاق.
لماذا العمل في المدارس الخاصة؟
يتخرج الطالب من إحدى كليات التربية المنتشرة في ربوع الجمهورية، بما لا يقل عن 25 كلية، تدرس موادا تخصصية وأدوات تربوية في نفس الوقت، بحيث يكون المتخرج ملماً في نهاية المطاف بأحد التخصصات إلى جانب مهارات التدريس.
بعد 22 عامًا، معظمهم في مراحل التعليم والخدمة العامة، يجد المتخرج نفسه في مواجهة سوق العمل؛ من جهة، فهو يحتاج أن يعيل نفسه، ومن جهة أخرى يحتاج إلى أن يحقق ذاته ويشعر بأهميته في المحيط.
وإذا به يرتطم بالحقيقة المرَّة: لا يوجد تعيين دائم في التعليم الحكومي منذ عام 1997، والمنافسة في مسابقات التعيين غير آدمية، إذ المقاعد الشاغرة محدودة رغم العجز الذي تجاوز 300 ألف معلم، ومسوغات التعيين الجديدة تجاوزت المتطلبات المهنية التقليدية لتشمل اللياقة والوزن وعدم التدخين وأداء التمارين تحت إشراف القوات المسلحة. ومن ثمَّ، لا يجد الخريج الجديد منفذًا غير المدارس الخاصة، التي يتجاوز عددها 10 آلاف مدرسة، وتشرف على رعاية نصف القوة الطلابية في مصر بما لا يقل عن 12 مليون تلميذ.
أين المشكلة؟
بالرغم من المصروفات السنوية الضخمة التي تفرضها تلك المدارس على الأهالي بحجة تقديم خدمة جيدة، فإنَّ نصيب المعلم منها يكون هزيلًا عادة. لا تلتزم تلك المدارس بالحد الأدنى الرسمي للأجور على المنشآت الخاصة، وعادةً ما تتهرب من التأمين على المعلمين صحيًا واجتماعيًا، ما يؤدي إلى وضع عام من الهشاشة في الكادر البشري الذي يُعد عماد العملية التربويَّة.
يبلغ متوسط راتب المعلم في المدرسة الخاصة، بعد التعويمات العديدة التي أضرت بقيمة الجنيه، حوالي 1500 جنيهًا شهريًا، وذلك في مدارس تبلغ مصاريف الطالب الواحد فيها 15 ألف جنيه سنويا، ولا يمكن للمتضرر اللجوء للقضاء لأنَّ المحاكم حبالها طويلة ومكلفة ويمكن لأصحاب تلك المدارس تفويض فرق قانونيَّة معتبرة لقلب الطاولة على المعلم نفسه.
ناهيك عن أنَّ هذا المعلم يكون مطلوبًا منه جهدًا مضاعفًا يليق بسمعة المدرسة، كما تجبر بعض الإدارات المعلمين بالتوقيع على استقالة مقدمًا أثناء التوظيف، وقد يضطرّ المعلم للقيام بأدوار إدارية إضافية والقبول بتخفيض الراتب في عطلة نهاية العام، تجنبًا للفصل التعسفي وقطع العيش والبطالة الكاملة.
النتيجة
يلجأ بعض المعلمين بعد فترة من العمل في المدرسة الخاصة إلى الدخول في علاقة تعاقدية عرفية مع الطالب، يستطيع من خلالها تحسين دخله بالدروس الخصوصية، ما يفتح الباب لأنماط معاملة غير كريمة بين أطراف المعادلة، تصل إلى إهانة المعلم أحيانًا أو تسريب الامتحانات للطلاب المحظيين.
كذلك يجد بعض المعلمين تضييقًا من زملائهم القدامى في المنافسة على كعكة الدروس الخصوصيَّة، ما يؤدي بدوره إلى لجوء هؤلاء إلى وظائف إضافيَّة تتقاطع مع التخصص التعليمي أو حتى تبتعد عنه، بما في ذلك قيادة التكاتك.
ومع شدة المنافسة، المدفوعة بزيادة المعروض وغياب الإرادة الرسميَّة الحقيقية للإصلاح، يضطر العديد من المعلمين إلى الانخراط في بيزنس الدروس الخصوصية الذي تقول الإحصائيات إن إيراداته لا تقل أبدًا عن 20 مليار جنيه سنويًا، فيما يلجأ بعضهم إلى ترك التدريس كمهنة، أو ترك البلاد برمتها بحثًا عن فرصة جيدة خارج مصر.
شاركنا رأيك: من المسؤول عن تردي حال المعلم في مصر؟