صناعة الورق في مصر.. من صناعة مستقرة إلى مدارس بلا كتب دراسية

بحلول بداية الفصل الدراسي الثاني من العام الحالي، أي في فبراير الماضي، لم يتسلم العديد من الطلاب كتبهم بالتزامن مع وجود أزمة في سوق الطباعة والأوراق في مصر جراء الأوضاع الاقتصادية المتردية، حينها تحدث “نديم إلياس” رئيس غرفة الطباعة باتحاد الصناعات عن جملة من الأسباب التي أدت إلى تلك الأزمة، وأول تلك الأسباب نقص الخامات في المطابع، حيث وصل سعر طن الورق المستورد إلى 1400 دولار، بالإضافة إلى توقف مصنع “إدفو” عن إنتاج ورق الكتابة والطباعة وتحوله لإنتاج أنواع أخرى من الورق، فيما بقي مصنع “قنا” وحيدًا يسعى لتغطية احتياجات سوق المحلي في الوقت الذي تبلغ فيه أقصى إنتاجية للمصنع 60 ألف طن تتوزع بين الكتاب المدرسي والكراريس بالإضافة إلى الكتب الدراسية التي تُصدر إلى ليبيا، بينما يحتاج السوق المحلي استيراد 280 ألف طن ورق للطباعة والتصوير سنويا لتعويض الفجوة بين الاستهلاك البالغ 450 ألف طن والإنتاج المحلي البالغ 170 ألف طن.

قبل تلك الأزمة بأسابيع، كانت هناك أزمة أخرى حدثت بعدد من المستشفيات في أنحاء الجمهورية مثل مستشفى الصدر بالعباسية والمستشفى الأميري بسوهاج، وتمثلت تلك الأزمة في خلو المستشفيات من الدفاتر المطبوعة، وكذلك من التذاكر التي يستوجب قطعها من المريض للدخول إلى المستشفى، حتى أن إحدى المستشفيات اضطرت إلى قطع التذاكر المسائية البالغ سعرها 25 جنيهًا في الصباح بدلًا من التذكرة الصباحية الناقصة ذات الخمسة جنيهات، وهو ما جعل المرضى يحتجون حتى تدخلت وزارة الصحة وسمحت بإقرار التذكرة المسائية عوضًا عن الصباحية مع دفع خمسة جنيهات. وكان من البديهي إلى جانب تلك الأزمة أن تشهد عدد من المستشفيات أزمات في توافر ورق “الروشتة” التي يكتب عليها الطبيب علاج المريض.

جمارك مكتظة

الشق الأول من الأزمة الحالية هو نتاج أن الحكومة لا تعتبر الورق سلعة أساسية مثل الغذاء والأدوية، لذلك تعطلت شحنات الورق المستورد في الجمارك، قبل أن يُفرج عن بعضها في فبراير الماضي. والشق الثاني هو أن السوق المحلي في مصر يستهلك سنويًا ما مقداره 450 ألف طن لا يغطي الإنتاج المحلي سوى 37% منها، ويتم استيراد الكمية الباقية من الخارج، وبالتالي تأثرت أسعار الورق المحلية بانخفاض قيمة الجنيه، وارتفاع أسعار الشحن مع أزمة كورونا، فضلا عن قيود الاستيراد المفروضة من البنك المركزي المصري، وبالتالي تضاعفت أسعار الورق نحو 3 أضعاف.

مطابع خالية من عمالها

في منطقة الزهراء بحي دار السلام، ترك الشاب “أ.س” مهنته التي يمتهنها منذ الصغر، وهي الطباعة، وتوجه للعمل بائعا في أحد محلات الأجهزة الكهربائية. كان “أ.س” يعمل في مطبعة تختص بطباعة ورق الكتب والكارتون معًا حتى قرر صاحبها أن يُغلقها بسبب الخسائر التي تلاحقت عليه منذ فيروس كورونا.

يقول “أ.س” لأحوال مصرية: “كان الوضع صعبًا بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام، فإذا وفرت الورق لن توفر الحبر، وإذا وفرت الحبر لن توفر الورق، وكلاهما هام لصناعة النشر في مصر، وتلك المشكلة لم تعاني منها فقط مطبعتنا، أنا أعرف عددا من زملاء المهنة في منطقة باب الشعرية ودار السلام وحي الأزهر والذين فقدوا وظائفهم وأغلقوا مطابعهم بسبب سوء الأحوال، ناهيك عن المستوردين الذين قرر بعضهم أن يترك تلك الصناعة، فالورق يتكدس في مخازن الجمارك، وفوق ذلك كله يتحتم عليك أن تدفع أرضية لتخزينه قد تصل إلى 20 ألف جنيه، أي أنك تدفع لتستمر خسارتك، وليس لتُحل مشكلتك”.

حتى العقد السابق، كانت صناعة الأوراق في مصر صناعة مستقرة وهادئة وراسخة، ولكن بسبب الأزمات المتلاحقة بدءًا من التعويم في عام 2016 بدأ القطاع يعاني من الركود، حتى أن مجموع استثماراته حاليًا تقتصر حاليا على 250 مليون دولار فقط.

لقد وعدت الحكومة في غير مرة بالتدخل لحل الأزمة، ولكن حلولها تفشل قبل أن تبدء، آخرها مثلًا الشروع في مصنع لتصنيع ورق الكتابة كان من المقرر تدشينه في محافظة “قنا” بهدف ضخ 200 ألف طن سنويًا للسوق المحلي، ولكن بسبب الظروف الاقتصادية وشح الدولار، تعذر بناء المصنع الذي يتطلب نحو 100 مليون دولار، وبالتالي استمرت أزمة الورق التي يعاني منها أصحاب الشركات والمستوردون والمرضى والطلاب.

شاركنا تجربتك: هل شعرت بوجود أزمة في توافر الورق بمصر؟

أضف تعليقك
شارك