يوجد في مصر قانون لتنظيم زراعة الأعضاء، وهو القانون رقم 5 لعام 2010، وذلك بهدف إيجاد حل تكافلي مستدام لكثير من المشكلات الإنسانيَّة العويصة الّتي يعانها أصحابها بشكل مزمن، وقد تؤدّي بهم إلى الموت.
وفي الواقع، تعود محاولات إدخال زراعة الأعضاء مصر إلى التسعينيَّات، ثم إلى مطلع الألفيَّة، وتحديدًا عام 2001، الَّذي شهد الاستعانة بخبرات أجنبيَّة لتدريب الفرق الطبية المحليَّة على جراحات الفكّ والتركيب المتعلقة بهذا التخصص. ولكن ومع ذلك، فإنَّ زراعة الأعضاء لم تشهد رواجًا حقيقيًا في المجتمع المصري طوال تلك الفترة، بالرغم من إجرائها عمليًا منذ التسعينيَّات، وتقنينها تدريجيًا منذ مطلع الألفيَّة، والاستقرار التشريعيّ منذ عام 2010.
ما الجديد؟
منذ الفترة الرئاسية الثانية للسيسي الّتي بدأت عام 2018، بدا أنّ الحكومة متحمسة غاية التحمس لعدة ملفّات صحيَّة، تقول إنّ الدخول فيها بمثابة تحولات ثورية في الطب المصري، وعلى رأس هذه الملفات موضوع زراعة الأعضاء. فإذا كانت مصر دخلت هذا المجال منذ حوالي 3 عقود، ويوجد بالفعل قانون حديث وسارٍ لتنظيم تلك الممارسة؛ فما الجديد الذي يمكن أن تقدمه الحكومة في هذا المضمار؟
برعاية السيسي ومتابعته شخصياً، شرعت الحكومة في اتخاذ إجراءات سريعة وجديدة، تشريعيًا وتقنيًا وإعلاميًا، للتوسع في تلك الممارسة محليًا، بعد عزوف المجتمع عنها خلال العقود الماضية. فأمر السيسي بتخصيص 8 مليار جنيه مبدئيًا لتدشين مركز طبي متخصص لزراعة الأعضاء، هو الأكبر من نوعه في المنطقة، بحيث الجيش بإنشائه، مع الاستعانة بالخبرات الأجنبيَّة في تطوير المركز تقنيًا.
تشريعيًا، أدخلت الحكومة عدَّة تعديلات على القانون رقم 5 لسنة 2010، من ضمنها تعديلات في عام 2017، بموجب تلك التعديلات، تشكلت “اللجنة العليا لزراعة الأعضاء”، التي يرأسها وزير الصحة، وتتبع رئيس الوزراء، وتتولى مسؤولية الإشراف القانوني والتقني والإداري على تطبيق المعايير الأخلاقية والفنية الخاصة بتنظيم زراعة الأعضاء، وعقاب المخالفين.
إلى جانب تطوير البنية الطبيَّة والتشريعيَّة، بدأت الحكومة الترويج إعلاميًا عبر شخصيات بارزة في المجتمع ورموز دينية لأهمية التبرع بالأعضاء، كما دعا محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس للصحة إلى تفعيل خانة التبرع في البطاقات الشخصيَّة للمواطنين، تمهيدًا للبدء في نقل الأعضاء من المتوفين، خاصة ضحايا الحوادث، وصولًا إلى تحقيق هدف 70 ألف عملية زراعة أعضاء في مصر خلال السنوات القادمة.
أين المشكلة؟
في بلدٍ يعاني معظم مواطنيه من الفقر والعوز الشديدين، والاستعداد لفعل أيّ شيء لتحسين حياة الأبناء، ومع تشجيع الحكومة الدؤوب على ذلك، ضمن حزمة توجهات صحيَّة معينة مثل الحد من النسل؛ فإنَّ هناك خشيةً شديدة من تحول تبني الحكومة ملف زراعة الأعضاء إلى تقنين عمليّ للتجارة فيها. ففي حديثه مع الأهرام حول تلك القضية، قال إيهاب الطاهر عضو مجلس نقابة الأطباء إن معظم عمليَّات زراعة الأعضاء، التي تتمّ بشكل قانوني ظاهريًا في مصر، هي عمليات تجارة أعضاء في حقيقة الأمر.
ما يحدث هو أنّ يعلن مريض أنه في حاجة إلى زراعة عضو بشكل عاجل، وليكن الكلية مثلا، ويطلب متبرعًا مناسبًا بهذا العضو. على الورق، تكون عملية التبرع، خاصة في المراكز غير الحكومية، من متبرع تطوع بإرادته لنجدة مواطن مصري محتاج، وهو ما يكفله القانون؛ ولكنَّ الحقيقة تكون أنّ المتبرع قد لجأ إلى هذا الخيار لأسباب مادية بحتة، وقد تقاضى مبلغا ماليا سراً للتبرع بهذا العضو.
إحدى السيدات، تدعى داليا من الشرقية، ولديها 4 فتيات بلا عائل حقيقي، نشرت مقطعاً مصورا تقول فيه إنها على أتم الاستعداد للتبرع بأي عضو مطلوب منها، حتى لو كان الرحم، نظير الحصول على مبلغ مالي يحميها من السجن وتشرد الفتيات بسبب الديون. كما يروج الفيلم الجديد لمحمد رمضان “على الزيرو” الذي تتبنَّاه عائلة العدل، لتجارة الأعضاء، إذ يجد بطل الفيلم، الفقير الذي عانى من ظروف صعبة، الفرصة سانحة أمامه للارتقاء الطبقي من بوابة العمل في هذه الممارسة.
في الأعوام الأخيرة، بدأت الحكومة، لأسباب اقتصادية، تقنن ممارسات حسّاسة، كانت ممنوعة قانونا أو عرفا في المجتمع المصري، مثل التجارب السريرية في المجال الصحي، وضرائب الدروس الخصوصية وصولا إلى التصالح مع الهروب من الخدمة العسكريَّة مقابل دفع مبلغ مالي دولاري، وبحسب الأمم المتحدة فإنّ مصر في المركز 5 عالميًا كبؤرة لتجارة الأعضاء.