كيف تخلت الدولة عن دورها التقليدي وتحولت إلى شركة هادفة للربح؟!

تميز السياسات العامة في مصر منذ عام 1952 بمحاولة تبني أنماط من السياسات التي توفر بعض الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وذلك من خلال تقديم سلع رخيصة وخدمات عامة بدون مقابل أو سلع مدعومة، وتوظيف أعداد كبيرة من الفئات العاملة في القطاع الحكومي.

خلال عهد جمال عبد الناصر والسادات ومبارك شعر المصريون بأنهم في حاجة دائمة إلى الدولة لتحميهم من الغلاء، وذلك في اتفاق ضمني أو عقد غير مكتوب بين الحاكم والمواطنين يقضي بأن يحصلوا على تلك الامتيازات مقابل الصمت وعدم المطالبة بالديمقراطية أو أى حريات سياسية.


تخلي الدولة عن دورها

منذ تولي عبد الفتاح السيسي حكم مصر تغيرت السياسات العامة للدولة، فأخذت تتخلى عن الحماية الاجتماعية التي كانت تقدمها للمواطنين، وتحول الدور العام للدولة إلى مجرد كيان يبيع للمواطنين السلع العامة مثل البنزين والغاز والكهرباء بأسعار السوق بدون أي دعم. ولم يعد هناك أي شيء يحصل عليه المواطن بالمجان. وركز الخطاب العام للدولة على انتقاد المواطنين الذين يتعلقون بالدور الأبوي للدولة وينتظرون الحصول على الدعم، وذلك في نفس وقت تبني سياسات اقتصادية تقشفية أدت إلى التعويم وانخفاض قيمة العملة وارتفاع التضخم، ما جعل الفقر ينتشر بين أكثر من ثلثي المصريين.

 
من دولة إلى شركة هادفة للربح

هناك اتجاه واضح نحو خصخصة كافة الخدمات الحكومية، ونلاحظ هذا في حديث المسؤولين والوزراء عن الخدمات العامة والمرافق التي يديرونها بمنطق الربح والخسارة، وذلك بعد أن كان الهدف الأساسي من إنشاء هذه الخدمات هو توفيرها للمواطنين وليس بيعها لهم بهدف التربح.

لذلك نجد أن أسعار جميع السلع والخدمات الأساسية تضاعفت بشكل مبالغ فيه، فعلى سبيل المثال ارتفع سعر أعلى فئة من تذكرة مترو الأنفاق من جنيه واحد في 2017 ليصل إلى 10 جنيه، كما ارتفعت أسعار تذاكر أتوبيسات النقل العام، فبعد أن كان سعر التذكرة جنيها واحدا ارتفع ليصل إلى 7.5 جنيه مع رفع الدعم عن السولار. وبالتالي أصبحت أسعار المواصلات العامة تتساوى مع السعر المعمول به في القطاع الخاص، ما يعني أن الحكومة لا تقدم أي مزايا إضافية للمواطنين.

عند النظر إلى أزمة انقطاع التيار الكهربائي التي يُعاني منها غالبية المواطنين، وبالرغم من ادعاء المسؤولين بأن الدولة تنفق مليارات من الدعم على الكهرباء المقدمة للمواطن، تُخبرنا الأرقام الرسمية عكس ذلك، حيث أن أسعار شرائح الكهرباء زادت بمقدار سبع مرات منذ عام 2014، بنسبة زيادة تصل إلى 600%، كما قلصت الحكومة دعم الكهرباء في الموازنة العامة، حيث أخذ يتقلص تدريجياً خلال السنوات الماضية ليصل إلى صفر بداية من عام 2020.

لا تكتفي الدولة بإجبار المواطن على دفع القيمة الحقيقية للخدمات مثل الكهرباء بدون دعم، بل إنها أصبحت تُحمل المواطن كامل تكلفة خدمة الكهرباء المقدمة له، ومضاف عليها تكلفة بناء المحطات الكهربائية الجديدة. حيث تُشكل قيمة تكاليف بناء محطات وشبكات جديدة نحو ثُلثي قيمة الفاتورة، كما تُشكل قيمة خدمة ديون الشركة القابضة لكهرباء مصر نحو خُمس الفاتورة، فيما يُقدر قيمة ما يدفعه المواطن مقابل خدمة الكهرباء أقل من خُمس الفاتورة، ما يعني أن المواطن يتحمل أعباء مالية لا ينتفع منها، ويدفع تكلفة بناء محطات لم تعمل بعد، ويتم إنشائها لإمداد المُدن الجديدة بالكهرباء.

دور الدولة المتبقي

بعد خصخصة أسعار جميع الخدمات الأساسية تقريبا وتركيز الدولة على تحقيق الأرباح من خلالها، والتحول نحو تحميل المواطن تكلفة المشاريع الجديدة، السؤال هو ماذا تبقى من الحماية الاجتماعية المقدمة للمواطن؟

من الاستثناءات القليلة التي ما زالت متبقية من عصور الدعم السابقة، هي التموين، ولكن يتعرض هو أيضا لتغييرات كبيرة، فبعد أن كان يُصرف على شكل دعم سلعي على السلع الأساسية التي يحتاجها المواطن، تغير ليصبح مجرد دعم نقدي ضئيل يشتري به المواطن سلعا محدودة بأسعارها في الأسواق.


شاركنا تجربتك: هل مازلت تشعر بدور الدولة في دعم السلع والخدمات الأساسية للمواطنين؟

أضف تعليقك
شارك