التهجير مستمر.. أزمة سكان منطقة عرب اليسار

 في سنة 2017 فوجئ سكان منطقة عرب اليسار في القاهرة بمندوبي الحكومة يتجولون في شوارع المنطقة ليخبروهم بضرورة إخلاء منازلهم في أقرب وقت ممكن، والبحث عن سكن بديل أو تقديم الأوراق اللازمة لتأجير وحدات سكنية في مشاريع الدولة الجديدة.

جاءت تلك الخطوة على حيثية قرار أصدرته محافظة القاهرة باعتبار عدد من المناطق في أحياء القاهرة المختلفة بمثابة مناطق خطرة على ساكنيها، ومن بينها منطقة عرب اليسار، مما يستوجب التعامل معها بالإزالة، وتعويض الأهالي المقيمين بها بمساكن أخرى مؤجرة في أحياء جديدة مثل حي الأسمرات.

اعتراض وتمهيد!

نالت تلك القرارات المتتالية التي اتخذتها محافظة القاهرة استهجان غالبية سكان عرب اليسار الذين يرون أنه لا بديل مرضي لسكنهم الحالي خاصة مع تملكهم إياه منذ سنوات طويلة، وإقامتهم به وفق عادات تتناسب مع طبائعهم الاجتماعية والمعيشية.

ويوضح أهالي عرب اليسار أنهم “لم يشتكوا للحكومة” بل طلبوا منها فقط إعطاءهم الفرصة لتطوير المنطقة بأنفسهم. وهو ما تثبته المحاضر والدعاوى القضائية التي رفعها بعض السكان ضد الحي والحكومة بهدف منع قرارات الإزالة في المنطقة، لكن الحكومة لا ترى سوى الإجلاء.

لقد مهد الإعلام الحكومي لعملية الإجلاء القسري زاعما أن المنطقة غير مؤهلة للسكنى، وأنها مهددة بالانهيار في أي وقت، فيما تثبت الزيارات الميدانية التي قام بها عدد كبير من المهتمين بتوثيق التراث أن المنطقة لا تحتاج سوى ترميم بسيط لبعض المنازل، وأنها مُهيأة تماماً للسكن بأمان دون الحاجة إلى إخلائها أو إجلاء سكانها.

تاريخ عريق!

تمتلك منطقة عرب اليسار تاريخاً عريقاً يمتد إلى عصر الدولة الأيوبية، حيث سكنتها قبيلة عرب اليسار، وتوارثتها الأجيال من بعدهم، فيما كان للمنطقة ذكر دائم في المصادر التاريخية كأحد أهم المناطق بجانب مركز الحكم المتمثل في قلعة صلاح الدين الأيوبي.

 يوجد في المنطقة عدد كبير من المنازل الأثرية التي يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر، من بينها منزل الطبيب محمد الشباسي الذي كان من أوائل خريجي مدرسة الطب المصرية المعروفة بقصر العيني، وكان ضمن أول بعثة طبية أرسلت إلى فرنسا سنة 1832. فضلاً عن عشرات البيوت التي تحمل قيمة تاريخية وأثرية في المنطقة، بينما تعمل الحكومة حالياً على هدمها.

تعاملت الحكومة منذ عدة سنوات مع أصحاب تلك البيوت بتعنت شديد، حيث منعت تصاريح الترميم التي طلبها سكان المنطقة من وزارة الآثار حينها، بحجة أن تلك المنازل غير مؤهلة للترميم، فيما قدمت بلاغات ضد أي شخص حاول أن يرمم منزله أو يصلح فيه أي شروخ. وذلك في انتظار تهدم المنازل لإجبار أهلها على الخروج من المنطقة وتهجيرهم منها.

ما الذي حدث؟

في أواخر سنة 2022 بدأت الحكومة عملية الإجلاء بشكل قسري من المنطقة، كما بدأت بعدها مباشرة بعملية هدم المنازل دون اعتبار للقيمة التاريخية أو التراثية، وذلك رغم خضوع المنطقة لقانون حماية التراث التابع لليونسكو باعتبارها جزءا من نسيج القاهرة التاريخي.

في مايو 2023 وصل عدد العقارات التي جرى هدمها إلى 110 عقاراً ضمن المرحلة الأولى فقط، فيما تم فك وإزالة مئذنة مسجد الغوري الذي يرجع تاريخ بنائه إلى عصر سلاطين المماليك حيث أسسه السلطان قنصوة الغوري الذي حكم مصر منذ سنة 1500 حتى سنة 1516 ميلادياً. فيما تمت إزالة 99 عقاراً آخر في أول يوليو الماضي. ولازالت عملية الإزالة مستمرة حتى الآن حيث فقدت المنطقة أغلب معالمها.

ما الهدف؟

تسعى الحكومة إلى إخلاء المنطقة الموجودة أسفل القلعة لاستغلالها سياحياً ضمن المشروع الخاص بتطوير منطقة باب العزب وقلعة صلاح الدين، تحت إشراف صندوق مصر السيادي بالاشتراك مع شركاء من خارج مصر، وهو المشروع الذي بدأ في سبتمبر 2021. 

شاركنا رأيك بخصوص حملات الإجلاء القسري التي تحدث في العديد من المناطق لأسباب مختلفة، وبما فيها منطقة عرب اليسار.

أضف تعليقك
شارك