في فبراير 2022 عبر المدير التنفيذي لصندوق مصر السيادي، أيمن سليمان، عن رغبة الدولة في الاستحواذ على أموال المعاشات واستثمارها قائلا إن “الوقت الحالي هو الأنسب لاستثمار المزيد من أموال التأمينات والمعاشات في البورصة”، وقال إن تلك الخطوة ستساهم في ضخ سيولة إلى البورصة المصرية، مما يساعد في حمايتها من الصدمات الخارجية وجذب المستثمرين الخارجيين.
بعدها بفترة قصيرة اقترح رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، الأمر نفسه من خلال إعلانه العزم على استغلال الفوائض المالية والسيولة الكبيرة الموجودة من أموال المعاشات. وهو نفسه ما أكده اللواء جمال عوض، رئيس الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، حينما قال إن الهيئة ستشارك في الطروحات الحكومية في البورصة.
وهو ما يؤكد على أن هناك توجها من جانب الدولة لاستغلال أموال المعاشات في سوق المال المصري، في وقت يعاني فيه من تراجعات مستمرة، كما يحمل مخاطر عالية قد تصل إلى المضاربة.
إعادة الاستيلاء على المعاشات
تُعيد تصريحات المسؤولين إلى الأذهان قصة الاستغلال المستمر من جانب الدولة لأموال أصحاب المعاشات، بداية من استيلاء الحكومة في عام 2004 على أكثر من 435 مليار جنيه من أموال عشرات الملايين من أصحاب التأمينات والمعاشات. وذلك بهدف المضاربة بها في البورصة، ولسد عجز الموازنة العامة. مما أسفر عن خسارة تلك الأموال الضخمة ومن ثم العجز عن السداد، وبلغت هذه الثروة 60% من أصول التأمينات والمعاشات آنذاك وهو ما حدث بشكل مخالف للقوانين، ولذا في عام 2011 وجهت النيابة العامة ليوسف بطرس غالي، وزير المالية المتسبب في هذه الخسارة، اتهامات شملت تبديد أموال المعاشات والمضاربة بها في البورصة.
اعتداء ممنهج
خلال السنوات السابقة استمرت وزارة المالية في الاستدانة من صناديق المعاشات حتى بلغت المديونية المتراكمة عليها نحو تريليون جنيه. ولجأت الحكومة في عام 2019 لإصدار قانون التأمينات والمعاشات الذي عُرف بقانون “فض التشابكات” وذلك لدفع أقساط ديون بفائدة لهيئة التأمينات والمعاشات بشكل سنوي لمدة 50 عاماً حتى عام 2068.
صرح وزير المالية، محمد معيط، حينها بأن تبعات تلك الخسارة التي أدت إلى عدم التأمين على الأجر الكامل للعاملين تُعتبر جريمة وتحتاج إلى 18 عامًا لإصلاحها. ولكن يبدو أن الحكومة لم تتعلم الدرس، واستمرت في استغلال أموال المعاشات، ولكن بطرق مختلفة.
وبالرغم من أن القانون الجديد حرص على حماية أموال المعاشات من مخاطر الاستثمار في البورصة، لكن إحدى مواد القانون أجبرت صندوق التأمين الاجتماعي على استثمار نسبة لا تقل عن 75% من احتياطيات الأموال في أذون وسندات الخزانة الحكومية لتعيد وزارة المالية بذلك اقتراض 75% من أموال المعاشات بفائدة ثابتة تُقدر بـ 5.9%، في حين أن سعر أذون الخزانة لا يقل عن 18%، وتستفيد الحكومة المصرية بالفارق.
المعاشات: حق الموظفين المهدور
من المفترض أن المعاشات حق مقتطع من رواتب الموظفين أثناء الخدمة، حيث يخصم مبلغ من الراتب الشهري للعامل بشكل إجباري، على أن تُرَد له مجمعة عند بلوغه سن المعاش أو في حالة الوفاة أو العجز والمرض. وتذهب هذه الأموال إلى صناديق المعاشات على أن تُستخدم عائدات استثمارها ليتم صرف المعاشات منها، ولتعظيم الأصول المالية التي تمتلكها، وذلك لتوفير مزايا متعددة من رعاية اجتماعية وتأمين صحي لأصحاب المعاشات الذين يصل عددهم إلى 12 مليون شخص.
ولكن ما حدث هو أن أصحاب المعاشات حُرموا من حقوقهم التي اقتطعت من كدهم وشقائهم في سنوات العمل، كما حُرموا من المزايا التي كان من المفترض أن يحصلوا عليها إذا تم استثمار أموال المعاشات بطريقة صحيحة لصالحهم، بدلا من الاعتداء عليها من قبل الحكومات والأنظمة المتعاقبة لسد عجز الموازنة ومداراة الفشل.
يعود انخفاض قيمة المعاشات إلى أن مستحقيها قضوا سنوات الخدمة أثناء ما كان المعاش يُحسب على أساس أجور منخفضة، وذلك قبل انخفاض الجنيه إلى المستويات الحالية وضعف القدرة الشرائية للعملة الذي جعل القيمة الفعلية للمعاش تتناقص. ويرى أصحاب المعاشات أنه من الظلم أن يكون قيمة ما يتلقونه من معاش في الوقت الحالي هو نفس قيمة الأجور التي كانوا يتلقونها منذ أكثر من عشرين عاماً أثناء الخدمة، في الوقت التي ارتفعت فيه الأسعار قرابة عشرة أضعاف خلال نفس الفترة.
لقد اكتفى رئيس الجمهورية في بداية شهر مارس بوضع علاوة قيمتها 15% لأصحاب المعاشات. وهي نسبة ضئيلة إذا تم مقارنتها بأرقام التضخم الرسمية التي تجاوزت 40%.. ولم يلتزم الرئيس بالمادة 27 من الدستور التي تنص على أن يتساوى الحد الأدنى للمعاش مع الحد الأدنى للأجور لضمان حياة كريمة للمواطن. إذ يبلغ الحد الأدنى للأجور 3500 بينما الحد الأدنى للمعاش 1170 جنيهًا، وهو مبلغ لا يكفي بطبيعة الحال لشراء الطعام والشراب فقط لأي أسرة.