في 9 مايو 2023 أعلنت الحكومة المصرية تخصيص 180 مليار جنيه من موازنة العام المالي الجديد من أجل تنفيذ مشروعات برنامج “حياة كريمة” الموجه إلى الريف المصري، وتُعد مبادرة “حياة كريمة” أحد أكبر المشروعات التي تتبناها الدولة تحت رعاية وتوجيه السيسي، بهدف تحسين أوضاع المصريين في المناطق الريفية الأكثر احتياجاً.
وعود براقة وشعارات حالمة لا تنعكس على الواقع
تتصدر الشعارات البراقة والحالمة الخاصة بالمبادرة الإعلام الرسمي للدولة، ومؤخراً قامت “حياة كريمة” بإصدار أغنية خاصة بها بصوت رامي صبري أحد أشهر المطربين في مصر، وبثت الأغنية خلال شهر رمضان، واستقطبت المبادرة الناشط المصري الشهير وائل غنيم للانضمام إليها، ليعلن غنيم أمام ملايين من متابعيه انه سيتطوع مع المبادرة لتوزيع “العيدية” خلال عيد الأضحى.
بالإضافة إلى الإعلانات الترويجية التي يقدمها العديد من الفنانين والمشاهير والتي تُشيد بجهود المبادرة. وهي مواد دعائية يشاهدها المصريون مراراً وتكراراً منذ أربع سنوات، بدون أن يعني ذلك أن الإنجازات والمعجزات انعكست على حياتهم مثلما تدعي المبادرة.
أرقام خرافية بدون حسيب أو رقيب
تخصص الدولة مئات المليارات من أجل تمويل مبادرة “حياة كريمة” التي تستولي على مخصصات الدعم والمنح الاجتماعية من الموازنة العامة للدولة، والتي من المفترض أن تذهب إلى دعم السلع الغذائية للفقراء، والارتقاء بالخدمات الأساسية للمواطنين، وحمايتهم في أوقات التضخم والأزمات المالية.
وفقاً لتقديرات الحكومة؛ فإن تكلفة برنامج حياة كريمة بالكامل تُقدر ما بين 700 إلى 790 مليار جنيه مصري، إذ تم إنفاق 260 مليار جنيه خلال المرحلة الأولى التي لم تنته بعد. وتختلف تقديرات مسؤولي البرنامج عن تقديرات الحكومة حيث صرحوا بأن التكلفة الإجمالية ستصل إلى 900 مليار جنيه بنهاية العام الحالي فقط.
وبالرغم من أن المبادرة أعلنت عند انطلاقها في 2019 أن النطاق الزمني للمشروعات سيمتد من 3 إلى 4 سنوات فقط، إلا أن حجم طموحات الحكومة اتسع وقررت المواصلة، حيث أعلنت وزيرة التضامن الاجتماعي، نيفين القباج، أن المبادرة ستمتد حتى عام 2034 بتكلفة تصل إلى تريليون جنيه. ونلاحظ تضارب الأرقام والتصريحات الرسمية حول تكلفة المشروعات المتضمنة في المبادرة والميزانية الخاصة بها، فعلى سبيل المثال صرح مسؤولي برنامج حياة كريمة في محافظة الفيوم، بأن تكلفة تطوير مركزي إطسا ويوسف الصديق تصل إلى 9.7 مليار جنيه، في حين صرح محافظ الفيوم أحمد الأنصاري بأن تكلفة تحديث المركزين فقط بلغت 100 مليار جنيه، وهو ما يشير إلى غياب الشفافية.
تذهب مئات المليارات من أموال الموازنة العامة إلى مبادرة تتسم أعمالها بالضبابية وغياب أي دور رقابي على أنشطتها، كما تفتقر الكثير من الأرقام المعلنة ومصادرها إلى الوضوح مع غياب البيانات الرسمية الموثقة عن المبادرة.
إهدار عشرات المليارات في مشاريع غير مدروسة
في بداية العام قال وزير الري أمام مجلس النواب إن مشروع تبطين الترع هو إهدار للمال العام، ولكن لسوء الحظ فإن هذه التصريحات أتت متأخرة، وبعد إنفاق أكثر من 80 مليار جنيه على تبطين 20,000 كيلومتر من الترع. ولقد قررت وزارة الري إعادة تقييم مشروع تبطين الترع الخاص بمبادرة حياة كريمة، وحذرت الوزارة من أن تبطين جميع الترع سيؤدي إلى الإهدار، ونبهت إلى وجوب دراسة كل حالة على حدة قبل التنفيذ، في إشارة واضحة إلى غياب الدراسة والتخطيط.
تُركز مشروعات مبادرة “حياة كريمة” على البنية التحتية، وتوجه النصيب الأكبر من الإنفاق إلى مشروعات الصرف الصحي والطرق، وكما هو معتاد يتم إسناد هذه المشاريع إلى جهات بعينها بالأمر المباشر، وتشتكي بعض القرى التي شملتها المبادرة من استمرار الإهمال وغرق القرى نتيجة الصرف الصحي واستمرار نفس المشاكل بالرغم من الإصلاحات التي قامت بها المبادرة. وللأسف يأتي هذا الإنفاق غير المدروس على حساب مخصصات الدعم الاجتماعي والإنفاق على تحسين الخدمات الطبية والتعليمية داخل الريف المصري.
شاركنا تجربتك، هل غيرت مشاريع حياة كريمة من الحياة داخل قريتك؟