إنجليزي ده يا كامل؟: لماذا لا يجيد بعض المسؤولين التحدث أمام المواطنين؟

منذ كتابات أفلاطون الَّتي أسست لقواعد السياسة والحكم في الحضارة اليونانية، وربما قبل ذلك، اتفق العقلاء على معايير أساسية لا بد أن تتوافر فيمن يرعى مصالح النَّاس، وعلى رأسها: الأخلاق والكفاءة والخبرة، والقدرة على التواصل.

هنا، يقول خبراء التوظيف والموارد البشريَّة إنَّ المسؤول المثاليَّ، هو الذي إلى جانب إجادته لموضوع عمله التخصصي، فإنَّه يتحلَّى – عادةً – بالقيم والمهارات غير التخصصيَّة، والّتي تصقل تجربته في الرئاسة والقيادة، ومن ذلك القدرة على التواصل مع المرؤوسين والجمهور بشكلٍ مقبول.

وبشكلٍ أكثر تفصيلًا، يؤكد خبراء البلاغة والإعلام والاتصال أنَّ جوهر القدرة على التحدث مع الآخر، يتعلق بإدراك المتحدث لعناصر اللعبة؛ فكلّ مضمون ناجح، يتكون من: مرسل ومرسل إليه ورسالة، وكلما تمكن المتحدث مع الجمهور من إيصال مضمون ومعنى رسالته، كانت الرسالة أكثر وضوحًا وسلاسة وتأثيراً في المتلقي.. وهنا مربطُ الفرس وسببُ تلك المقدمة!

مسؤولونا.. مواقف وطرائف

الصَّادم والمؤسف، أنَّ أرفع المسؤولين في الدولة بمصر حاليًا، عندما وضعوا بشكل ما في سياقات تتطلب التعبير عن أنفسهم بالإنجليزيَّة، بدا الأمر كما لو كانوا لم يتلقوا أبجديَّات اللغة في مراحل الروضة والابتدائي، ما يطرح أسئلةً مشروعة عن جدارتهم، أو على الأقلّ مساءلتهم لاستيضاح الأمر.

ما أعاد هذا الجدل إلى الزاوية مؤخرًا، كان حديث وزير النقل، رئيس الهيئة الهندسيَّة الأسبق بالقوات المسلحة، الفريق كامل الوزير مع السيسي خلال افتتاح محطة تحيا مصر متعددة الأغراض في ميناء الإسكندريَّة مؤخرا، حيث تطوَّع الوزير لنقل ما يعتقد أنه مديح مدير شركة “تالاس” الفرنسية في أسلوب قيادة السيسي للبلاد لدرجة أنه استطاع تحويل “المستحيل إلى ممكن”، فصاغ كامل المعنى بصياغة شديدة الركاكة، نطقًا وتركيبًا، كما لو أنَّ الوزير لم يتحدث الإنجليزيَّة في حياته من قبل!

هذه ليست المرَّة الأولى الّتي يتعرض فيها مسؤول لهذا الموقف المحرج، إذ لم يختلف أداء وزيرة الصحة السابقة هالة زايد، وهي طبيبة في الأساس، عندما اضطرَّت للتحدث أمام الجمهور في صلب تخصصها، فلم تستطع أن تقرأ الإنجليزيَّة من الورقة المكتوبة أمامها.

أمَّا السيسي، فقد صاغ أمام منتدى شباب العالم، قبل 3 سنوات، خلال حديثه مع أحد الشباب، عبارةً من أوليَّات التواصل في الإنجليزية على هذا النحو“I want check hand you”، فيما يبدو أنه كان يريد مصافحة الشاب، ولكنَّ التعبير جاء مشابهًا لمستوى برامج الترجمة الآلية في بداية تطويرها قبل سنوات.

ويبدو أنَّ الأمر لا يتعلَّق بالإنجليزيَّة فقط، وإنما هو أكثر وأصعب دلالةً من ذلك، إذ سبق أن عجزت وزيرة الاستثمار السابقة، سحر نصر، وهي أكاديمية متخصصة في مجالها، عن قراءة نصٍّ مكتوب بالعربية في تخصصها خلال مؤتمر دوليّ استثماري أقيم في العاصمة الإدارية الجديدة قبل سنوات.

أين المشكلة؟

يشرف كامل الوزير بحكم منصبه على أموال ضخمة تقدر بمئات المليارات ضمن مشروعات الطرق والمحاور والكباري والسكة الحديدية ومترو الأنفاق والموانئ، ومعظمها تتمّ مع شركاء أجانب. وهي مشروعات تكلفت بنصّ كلام السيسي وكامل الوزير 1.9 تريليون جنيه خلال 9 أعوام.

أمّا هالة زايد، فكانت مسؤولة عن صحَّة المصريين، وهو ما يتطلب إجادة الإنجليزية، ومهاراتها الأربع، الكتابة والقراءة والاستماع والتحدث بدايةً كمتطلب لحصولها على الشهادة الجامعيَّة وصولًا إلى كونها وزيرةً تسافر هنا وهناك.

كما يفترض أنَّ السيسي قد سافر إلى الولايات المتحدة 2006 ضمن زمالة كليَّة الحرب العليا، وكلها رحلات وأسفار تكلف المال العام أموالاً باهظة بالدولار لتخريج ضابط كفء، تقنيًا وتواصليًا.

ما نعرفه أيضاً بالرجوع إلى الأرشيف الرئاسيّ، أنَّ رؤساء مصر منذ نهاية العهد الملكي، وحتى عام 2013، جميعهم كانوا يجيدون أساسيَّات التواصل بالإنجليزيَّة ولهم مقاطع قديمة تتضمن خطبًا وحوارات صحافيَّة بغير اللغة العربية.

ومما يزيد الطينَ بلةً عجزُ المسؤول المتخصص عن التحدث بلغته الأمّ، فليست سحر نصر وحدها الّتي تلعثمت في العربيَّة، وإنما كانت الواقعة الأسوأ تتعلَّق بوزير الأوقاف محمد مختار جمعة، الوزير الوحيد المتبقي في منصبه منذ عام 2013، حيث تعثَّر، على الملأ، في قراءة سورة الفاتحة خلال إمامته للمصلين.

شاركنا رأيك: هل تعتقد أنّ إجادة المسؤول الحديث باللغة العربية واللغة الإنجليزية أمر ضروري في الحكم على كفاءته أم يكفي إجادته لمهام عمله؟

أضف تعليقك
شارك