في مايو الماضي، بشَّر أيمن حمزة المتحدث الرسمي باسم وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة الرأيَ العامَ في مصر، بأنَّ هذا الصيف لن يشهدَ أيَّ تخفيف في الأحمال خلال أوقات الذروة، باستثناء أعمال الصيانة الدوريَّة. واستند حمزة في بشارته إلى أنَّ هناك فائضًا في الإنتاج لا يقل عن 16 جيجا وات، وأنّ شركات التوزيع التسعة على مستوى مصر قد استعدّت لفصل الصيف والطوارئ المناخيَّة جيدًا عبر صيانة الخطوط وشبكات التوزيع.
ولكن بحلول يونيو، لوحظ زيادة الشكاوى الواردة من أماكن متفرقة بمختلف أنحاء الجمهوريَّة بخصوص انقطاعات وصلت إلى 12 ساعة متواصلة في بعض الأيَّام، دون تفسيرٍ من وزارة الكهرباء، أو تغطية إعلاميَّة جادة. ولم تكن المشكلة في تزامن الانقطاع مع حرارة الصيف فقط، وإنما، بحسب شكاوى المواطنين، فإنَّ ما زاد المعاناة هو تزامن تخفيف الأحمال مع موسم امتحانات نهاية العام في الثانويَّة العامة والجامعات، وهو ما يؤثر سلبًا على أداء الطلبة في هذا التوقيت الحسَّاس.
فائض مفقود
أنفقت الحكومة خلال السنوات الماضية، وفقًا لتحقيق صحافيٌ نشره موقع “أريچ” بعنوان “فاقد مفقود” أكثر من 300 مليار جنيه على بناء محطَّات طاقة عملاقة جديدة، على نحو يفوق احتياجات البلاد، ويتجاوز المعايير العالميَّة الاسترشاديَّة لما ينبغي أن يكون عليه فائض الطاقة. وفي المحصلة، صار لدى الحكومة أكثر من 90 محطة لتوليد الطاقة، بقوة إجماليَّة تصل في فصل الشتاء إلى حوالي 60 جيجا وات، مع الأخذ في الاعتبار أنَّ الحدَّ الأقصى للاستهلاك قد بلغ حوالي 34 جيجا وات صيفًا، ما جعل كثيرًا من تلك المحطات يعمل بأقل من قدرته الإنتاجية، بما يصل أحيانًا إلى توليد ربع الطاقة الممكنة فقط، في ظل عدم وجود طلب.
من بين المحطَّات العملاقة التي دشنتها الحكومة، سلسلة محطات “سيمنز” في بني سويف وكفر الشيخ والعاصمة الإدارية الجديدة 2019، والتي تطلب تدشينها قروضًا بأكثر من 6 مليار دولار لتوليد طاقة إجماليَّة تتجاوز 14 جيجا وات يوميًا.
أين يذهب الفائض؟
أمام هذا الفائض في القدرة على توليد الطاقة نظريًا، دون وجود طلب حالي أو في المستقبل القريب من السوق المحلي على تلك الطاقة، فإنَّ الحكومة تحاول طرق أبواب الجيران في أفريقيا وآسيا وأوروبَّا لتصدير الكهرباء.
والمفارقة أنه في أكتوبر 2022، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي خطةً قوميَّة لترشيد استخدام الطاقة محليًا، في الميادين والمؤسسات الحكوميَّة والمراكز التجاريَّة والمنشآت الرياضيَّة، للاستفادة من “تكلفة الفرصة البديلة” عبر تصدير الغاز الطبيعي المستخدم في تشغيل المحطَّات إلى أوروبا، وهو ما يحقق ربحًا يعادل 10 أضعاف استخدام نفس الغاز في توليد كهرباء للاستهلاك المحلي، على حد قول مدبولي.
كما تنتظر الحكومة الآن موافقة البنوك الألمانيَّة التي مولت مشروع إنشاء “سيمنز” لمحطة كهرباء بني سويف، على بيع حصة تصل 70% من المحطَّة لتحالف بريطانيٍّ ماليزيٍّ بتكلفة قد تصل 2 مليار دولار.
لذا، فإنَّ الراجح هو أنه مع عدم تطوير شبكات التوزيع المحليَّة بما يتلاءم مع التوسع في القدرات الإنتاجيَّة خلال السنوات العشر الأخيرة، وتوجه الحكومة إلى تصدير الكهرباء والغاز للخارج، وبيع محطات الطاقة نفسها لتدبير العملة الصعبة، وعمل معظم المحطَّات بأقلّ من طاقتها، يبدو أنَّ هناك اتجاهًا قوميًا لتخفيف الأحمال حتى عن الاستخدام المنزلي.
زيادة الأسعار
ما يغضب المواطنَ العاديَّ حقًا، أنه مع عدم الاستقرار في إمدادات الكهرباء، رغم فائض القدرة على التوليد نظريًا، هو الزيادة المتوقعة في أسعار بيع الكهرباء للمنازل في يوليو 2023، تزامنًا مع السنة الماليَّة الجديدة.
في هذا الصدد، تقول الحكومة إنها أمهلت المجتمع وقتًا كافيًا للاستعداد لتلك الزيادة، بعد ما أجَّلتها 3 مرات، حيث كان ينتظر، كما قال مصطفى مدبولي، أن تُعتمد تلك الزيادة بدءًا من يناير 2023، ولكنَّ الرئاسة وجَّهت بتأجيلها 6 أشهر أخرى حتى يوليو.
تأتي تلك الزيادة في أسعار الكهرباء بعد 3 أشهر من رفع لجنة التسعير التلقائي للوقود أسعارَ البنزين والسولار، بنسب تتراوح من 75 قرشًا إلى 100 قرش للتر الواحد، بحيث وصل سعر لتر السولار إلى 8.75 قرشًا. وهو ما سيلقي بمزيد من الأعباء على كاهل المواطنين الذين يعانون من تضخم الأسعار وانخفاض قيمة الجنيه.