لا يسلم نطاقٌ جغرافي ولا دولةٌ من تقلُّبات الطقس، فهذا قدر الإنسان في الأرض. ولكنَّ الدول الحديثة تتباين في قدرتها على تحييد الطقس، بل والاستفادة منه، إذا ما كان ذلك ممكنًا. وفي الأول من يونيو 2023، هبت عاصفة ترابيَّة شديدة، تمكنت الأرصاد من التنبؤ بها والتحذير منها قبل وقوعها؛ ولكنَّ ذلك لم يكن كافيًا لتفادي الخسائر البشريَّة والماديَّة في قلب القاهرة.
ماذا حدث؟
بعد 13 يومًا من الحادثة، تروي إحدى الناجيات ما تعرَّضت إليه ذلك اليوم لوسائل الإعلام، فتقول إنه في غضون الثانية والنصف ظهرًا تقريبًا، وخلال الانتقال من مدينة نصر إلى ميدان التحرير في زيارة عائلية، يوم الخميس بنهاية الأسبوع، وجدت أسرتها الصغيرة المكونة من زوجها وولد وبنت في مرحلة الطفولة، قاب قوسين أو أدنى من الموت، بعد أن تسبب سقوط لافتة بفعل تأثير عاصفة جوية في تعطيل سيارتهم، ثمَّ إصابتهم جميعًا إصابات متباينة، كان نصيبها منها 17 غرزة في الرأس وأقل منها في اليد والذراع.
وفي المجمل، فإنَّ العديد من السيارات الشخصية للمواطنين قد تحطمت تحت اللافتة الضخمة، وأصيب ما لا يقلّ عن 4 أشخاص، وتوفي شخص واحدٌ في القاهرة، وتوفيت مواطنة (مهندسة – 47 عامًا) في حادثٍ مشابه في العاشر من رمضان.
إهمال جسيم
وفقًا للنائب البرلمانيّ المهندس إيهاب منصور، فإن كومة من الجهات الحكومية يفترض أنها تشرف على ملف تصميم وتركيب الإعلانات واللافتات المشابهة، على رأسها الجهاز القومي لتنظيم الإعلانات، والذي يرأسه رئيس الوزراء رفقة 10 من الوزراء، وهو جهاز تأسس حديثًا، بموجب القانون 208 لسنة 2020، إلى جانب المحافظات والمحليَّات التي تشرف على الإعلانات أيضاً.
ولولا العناية الإلهيَّة، كما أوضح مراسل برنامج “كلمة أخيرة” الذي عاين موقع الحادث بعد استقرار الأوضاع، لكانت الخسائر البشريَّة أفدح كثيرًا، إذ إنَّ اللافتة العملاقة كانت معلقة فوق منطقة شعبيَّة بسيطة هي عزبة أبو حشيش، بارتفاع 30 مترًا، ولكنَّ إرادة الله شاءت أن يكون اتجاه حركتها نحو الكوبري، لا فوق رؤوس الأهالي.
وبحسب تحقيقات النيابة الأوليَّة التي نشرتها وسائل الإعلام المحلية، فإنَّ مدير الإيرادات والإعلانات في الحي قد أبلغ الجهات المعنية بأنَّ ترخيص اللافتة انتهى منذ فبراير الماضي، وهو ما تم توثيقه حينها في محضر إداري.
حتى لا تتكرر المأساة
لا تتعلَّق الكوارث هذه المرة بمخالفات المواطنين كما اعتادت الحكومة القول فيما يخص البنايات المخالفة الّتي بُنيت دون الالتزام بالمعايير الفنية، وإنما تنتمي إلى نوع آخر من الفساد والإهمال، تعد الحكومة الطرف الأساسي فيه، كما حدث في مجمع صالات حسن مصطفى الرياضي، الذي انهار جزء من مدرجه في مباراة السلة بين الأهلي والاتحاد ديسمبر الماضي، بعد أقل من 9 شهور على الافتتاح بتكلفة 1.5 مليار جنيه، ما أدّى إلى إصابة 20 مشجعًا ووفاة أحدهم في وقت لاحق.
كما يذكرنا هذا النوع من الإهمال بما حدث في قصر البارون، الذي افتتحه السيسي في يوليو 2020 بعد تطويره بتكلفة 11 مليون دولار، وإذا به يشهد تشققات وارتشاحات في الجدران على نحو يهدد سلامة المبنى بحلول نهاية نفس عام الافتتاح!
حتَّى الوكالة الإعلانية صاحبة اللافتة، قد تنصلت من التعويض الذوقي للمصابين عن الأضرار المباشرة والتلفيَّات الماديَّة كما أوضحت نفس الناجية المشار إليها، والتي خسرت سيارتها في الواقعة، واضطرَّت للجوء إلى المحاكم بحثًا عن حقها في التعويض.
المؤسف، أنَّ الحادث كشف أيضاً حقيقة كون السواد الأعظم من اللوحات الإعلانية المثبتة في محيط الحادث غير مطابقة لمعايير السلامة، فمعظم اللوحات معلقة على 4 إلى 6 أعمدة ولكنها هشة وقابلة للميل حال هبوب الرياح، وبعضها مربوط يدويًا بسلك نحاس هش وضعيف في عمود واحد، كما شرح مراسل برنامج “كلمة أخيرة”.
شاركنا رأيك: هل تتوقع إعادة النظر جديًا في معايير السلامة للافتات الإعلانية قريبًا؟