ناحية الغرب من الإسكندرية تقع منطقة المكس التابعة لحي العامرية أو كما يطلق عليها بعض المصريين فينسيا الشرق للتشابه الظاهري بينها وبين مدينة فينسيا الواقعة بإيطاليا. يغلب على المكس طابع البساطة في شكل البيوت ونمط البناء إذ تتراص كلها بتراتبية على شاطئ مجرى مائي يمتد من بحيرة مريوط حتى البحر الأبيض المتوسط.
أشار أمير الشعراء أحمد شوقي إلى منطقة المكس قائلا:
نفسي مرجل؛ وقلبي شراع بهما في الضلوع سيري وأرسي
واجعلي وجهك الفنار ومجراك يد الثغر بين رمل ومكس
تعمل مئات الأسر القاطنة بالمكس في مهنة الصيد وغزل الشباك وإصلاح المراكب والسفن التي تخرج للصيد بشكل مستمر. لكن المصير الذي ينتظرهم من الحكومة كان مضطربا كعاصفة موج البحر وقت النوة.
تحايل من أجل لقمة العيش
بدأت قصة المعاناة في حي المكس منذ ما يقرب من 20 سنة، حيث منعت الحكومة إصدار أي رخص مزاولة مهنة الصيد للسكان فيها. وبالتالي أصبح يعاني 15 ألف صياد داخل منطقة المكس من عدم الاعتراف بهم بسبب عدم حصولهم على ترخيص مما اضطرهم إلى اللجوء لحل مؤقت حيث حصل بعضهم على ترخيص نزهة لمزاولة المهنة.
تنقسم تصاريح الصيد عادة إلى نوعين، الأول مهني والثاني نزهة، يتيح الترخيص الأول ركوب البحر دون قيود أما الثاني فيقع تحت منظور تمركزات حرس الحدود بالإضافة إلى القيود التي تُفرض عليهم فيما يخص حدود الصيد في البحر. وقد لجأ معظم صيادي منطقة المكس إلى هذا النوع من التراخيص تعويضاً لهم عن وقف تصاريح الصيد الرسمية، مما عرضهم إلى مشاكل دائمة ومستمرة مع مواقع حرس الحدود المطلة على البحر المتوسط.
بداية التهجير
استمر هذا الوضع المعقد مع أهالي المكس دون جدوى في تعديله حتى سنة 2014، عندما بدأت الحكومة في حصر أعدادهم وتهديدهم بالتهجير من المكان واستبدال مساكنهم بأخرى بعيدة عن مكان إقامتهم الحالي. ووفقاً لآخر إحصاء سنة 2006 فلقد بلغ عدد سكان المكس 30 ألف نسمة تقريباً يعملون جميعهم في مهنة الصيد.
توارث أهالي المكس منازلهم أباً عن جد كما يقولون منذ سنة 1818 ميلادياً ويسكن معظمهم بنظام الإيجار الرمزي حيث يتم دفع هذا الإيجار الذي لا تتعدى قيمته 60 جنيهاً سنوياً إلى هيئة الثروة السمكية. من جهتها لجأت الحكومة إلى إصدار قرار بمنع صيد الزريعة تماماً كعقاب لهم، ففي سنة 2016 صدر قرار رقم 183 بمنع صيد وتجميع الزريعة من ساحل البحر المتوسط حتى بداية الموسم الجديد، مع تخويل شرطة المسطحات والمخابرات وحرس الحدود بتشديد الرقابة على الصيادين وضبط المخالفين.
توافق هذا القرار أيضاً مع إنشاء الهيئة الوطنية للأسماك التابعة للقوات المسلحة التي احتكرت صيد السمك وزراعته. وبالتالي تعرض سكان المكس للخطر جراء هذا القانون مما أدى إلى توقف معظم رحلات الصيد التي تخرج من الحي مما انعكس على قلة الإنتاج وأثر على دخل المواطن الذي يعتمد اعتماداً كاملاً على الصيد.
تهجير متواصل وتعتيم إعلامي
في فبراير من عام 2018 تم تهجير سكان المكس بشكل كلي تقريباً إلى عمائر بديلة وسط تعتيم إعلامي، وجاءت أغلب تعليقات السكان على طبيعة تلك العمائر سلبية حيث انتقدوا بُعدها عن موقع عملهم في المجرى الملاحي الذي اعتاد عليه الصيادون بالإضافة إلى صغر المساحة مقارنة بمنازلهم القديمة. وحدث هذا بالتزامن أيضاً مع إخلاء نجع الألومنيوم ونقل سكانه إلى منطقة بشاير الخير بالقباري.
كان الهدف من هذا التهجير القسري هو إنشاء مشروع الميناء الأوسط (ميناء المكس) في المنطقة كجزء من مشروع الميناء الكبير الذي تعتزم الحكومة الانتهاء منه سنة 2024 بتكلفة 12 مليار جنيه. وذلك بهدف تأمين الظهير الخلفي للميناء الجديد.
ميناء المكس ليس السبب الوحيد في التهجير، بل هناك سبب آخر يتحدث عنه المواطنون باستمرار، وهو تمكين مصانع الكيماويات والبترول في المنطقة من الاستحواذ على المنطقة التي طالما اشتكى سكانها من التلوث الذي تنتجه تلك المصانع، مما أثر بالسلب على صحتهم.
شاركنا رأيك بخصوص مشكلة سكان منطقة المكس.