صناعة العطور الفرنسية ومعاناة مزارعي الياسمين في مصر

هل صادفك يوماً إعلان على موقع فيسبوك لشركة سياحة تقوم بعمل رحلة إلى قرية شبرا بلولة لمشاركة الفلاحين جني حصاد الياسمين؟ هل رأيت سابقا صور المشاركين بجانب الفلاحين حين تبدو عليه السعادة الغامرة التي نتجت من مشاركتهم الجميلة في حصاد الياسمين؟

تخفي تلك الصور الباسمة حقيقة مرة خلفها، كان الطرف الأكثر عناءً وشقاءً فيها الفلاح الذي يظهر في الصورة رغم كل تلك المعاناة مبتسماً مستقبلاً ضيوفه الغرباء الذين لا يعرفون طبيعة ما يجري خلف الكواليس. لكن قبل أن نتعرف على تلك القصة البائسة، وجب علينا بداية أن نستعرض تاريخ زراعة الياسمين في مصر. 

كيف بدأ الياسمين في مصر؟

وفق أغلب الروايات بدأت زراعة الياسمين في مصر منتصف القرن العشرين تقريباً عندما جاء الطالب أحمد فخري من باريس بشجرة ياسمين وبدأ بزراعتها في شبرا بلولة تحديداً على بُعد 97 كم شمال القاهرة لطبيعة تربتها التي تتوافق مع زراعة الياسمين، ثم بدأ بعدها بتأسيس مصنعه.

تعتمد منظومة زراعة الياسمين وصناعته في مصر على ثلاثة محاور رئيسية:

المحور الأول -الأساس والذي تبنى عليه المنظومة كلها- الفلاح؛ والذي يعمل على جني زهرة الياسمين من الحقول على فترتين في اليوم، الأولى بعد الفجر حتى قبل الظهر، والثانية بعد العصر حتى الغروب.

المحور الثاني وهو الوسيط، الذي يأخذ المحصول من الفلاح ويجمعه في صندوق واحد ثم يسلمه للمحور الثالث المتمثل في المصنع، وهو المنظومة الأكثر استفادة من الصناعة، والذي يعمل على استخراج العجينة أو الزيت من زهرة الياسمين.

تحتل مصر مركزاً مهماً ورئيسياً في صناعة الياسمين، حيث تستحوذ مصر والهند على 95% من صناعة الياسمين حول العالم وفقاً لإحصاءات الاتحاد الدولي لتجارة الزيوت والعطور (IFEAT) لعام 2015، يتنافسان فيما بينهما على المركز الأول في التصدير إلى باريس، إلا أن مصر كانت دائمة صاحبة النصيب الأول والأبرز في تلك الصناعة.

يومية الفلاح 2 دولار

يتجه الفلاحون بعد صلاة الفجر مباشرة، وأحياناً قبلها، إلى الحقول لتبدأ رحلة يوميتهم نحو قطف أكبر عدد ممكن من زهرة الياسمين، يختار الفلاحون هذا التوقيت تحديداً لتجنب أشعة الشمس فضلاً عن الندى الذي يختلط بالزهرة التي بالكاد تتفتح.

يعمل الفلاح طوال اليوم تقريباً من أجل الحصول على ما متوسطه اثنين كيلو من الياسمين، وتحتاج العملية إلى تركيز بحيث يقطع الواحد منهم الزهرة كاملة برحيقها. يضع كل واحد منهم محصوله في جردل خاص به ليتم وزنه نهاية اليوم لتقييم يوميته. يعطي الوسيط المسؤول عن جمع الياسمين كل واحد منهم يوميته التي تقدر بـ 80 جنيه فقط في المتوسط حيث يتم تسعير الكيلو الواحد بقيمة تتراوح من 38 إلى 42 جنيهاً، أي أن أجر الفلاح يعادل اثنين دولار يومياً تقريباً بسعر السوق السوداء.

يأتي بعد ذلك دور الوسيط أو المقاول، الذي يجمع محصول الياسمين من الفلاحين في صندوق واحد ليأخذه بعد ذلك إلى المصنع، ويضع على كل كيلو عمولته التي عادة ما تكون اثنين جنيه.

مصنع محتكر وفجوة واسعة

توجد 3 مصانع فقط في مصر لتصنيع الياسمين، أكبرها يقع في شبرا بلولة، والذي يحتكر تقريباً 70% من صناعة الياسمين وتصديره في مصر. وتكمن المشكلة الرئيسية في الفجوة الضخمة وغير المبررة بين ما ينتفع به المصنع وبين ما يدفعه للعمال والفلاحين.

فوفقاً لكلام صاحب المصنع حسين أحمد فخري يتم استخراج 2.7 كيلو جرام من طن الأزهار الذي يجمعه الفلاحون، فيما يتم تصدير الكيلو الواحد بـ 15 ألف دولار. أي يخرج الطن الواحد ما قيمته 40 ألف دولار أمريكي وهو ما يعادل 1,230,000 جنيه مصري تقريباً بسعر الدولار في البنك و1,600,000 بسعر الدولار الموازي. فيما تصل صادرات الياسمين في السنة إجمالاً إلى 6.5 مليون دولار سنوياً. أي 160 طن من عجينة الياسمين المستخرجة من الأزهار. وهو ما يبدو مجحفاً في حق الفلاحين، حيث يجني الفلاح الواحد من الطن 40 ألف جنيه أي ما يعادل ألف دولار أمريكي تقريباً بسعر السوق الموازي. علماً بأنه يحتاج إلى 500 يوم عمل للحصول على هذا الرقم.

يرجع السبب الرئيسي لتلك الفجوة إلى احتكار صناعة الياسمين في مصر. مع العلم أنه كان يوجد مصنع قطاع عام في مركز قطور شكل توازناً نسبياً في السوق إلا أنه أغلق في التسعينات.

شاركنا رأيك بخصوص غياب العدالة فيما يخص أجور مزارعي الياسمين بمصر.

 

أضف تعليقك
شارك