اشترت شركة “الأصباغ الوطنية القابضة” الإماراتية نحو 81% من أسهم شركة البويات والصناعات الكيماوية “باكين” المملوكة للحكومة المصرية في صفقة بلغت قيمتها 770.5 مليون جنيه. وبذلك تخارجت الحكومة المصرية بالكامل من الشركة التي تأسست عام 1958. وتُعد الصفقة جزءا من برنامج بيع الأصول المملوكة للدولة بهدف توفير تدفقات من النقد الأجنبي في ظل أزمة نقص الدولار.
شهور من التنافس والصراع
يأتي بيع الحكومة المصرية لشركة باكين بعد منافسة شرسة بدأت منذ صيف العام الماضي للاستحواذ على إحدى أكبر شركات الدهانات في مصر وأفريقيا والشرق الأوسط. فقد تلقت الحكومة 5 عروض لشراء الشركة، وتم رفض معظم العروض لتدني قيمتها، وبدأت الشركة الإماراتية رحلتها نحو الاستحواذ على باكين بعرض سعر 29 جنيه للسهم، قبل أن ترفعه أكثر من مرة تحت ضغط المنافسة مع شركة “إيجل كيميكالز” المصرية، حتى انتهت الصفقة عند 39.8 جنيه للسهم.
تقدمت النائبة مها عبد الناصر عضوة مجلس النواب، بطلب إحاطة بعد عملية استحواذ شركة الأصباغ الإماراتية على كامل أسهم شركة باكين، بسبب تدني قيمة الصفقة وإصرار الحكومة على بيعها للشركة الإمارتية. ويرى العديد من الخبراء الاقتصاديون أن قيمة الصفقة متدنية، ولا تتناسب مع قيمة ما تمتلكه الشركة من أصول ضخمة من أراضي ومباني وفروع وأسطول نقل ضخم، بالإضافة إلى ما تحققه من إيرادات تشغيل. كما أن الشركة المصرية لديها استثمارات خارجية.
عملاق فقد مكانته
حدثت المنافسة والصراع على شراء باكين لأنها شركة رائدة في الشرق الأوسط في مجال إنتاج اللاكيهات والدهانات الإنشائية والصناعية، كما تمتلك 5 مصانع داخل مصر، وأكثر من 350 منفذ بيع خاص بها، بالإضافة إلى امتلاكها قطعة أرض على مساحة 51347 متر مربع في منطقة القبة. ما جعل الخبراء يقولون إن سعر هذه الأرض بالإضافة إلى المساحة المقامة عليها الشركة يتجاوزون وحدهم قيمة الصفقة المدفوعة في الشركة.
جدير بالذكر أن قصة تدهور الشركة بدأت منذ بداية عام 2017، بعد توقيع شركة باكين بروتوكول تعاون مع اللواء محمد العصار وزير الإنتاج الحربي، واللواء ممدوح بدوي رئيس شركة هليوبوليس للصناعات الكيماوية. حيث قال اللواء العصار وقتها إن الاتفاقية تهدف إلى تحقيق تكامل للإمكانيات المادية والموارد البشرية لكلا الشركتين وتطوير المنتجات المشتركة وخلق فرص للتصدير للخارج. ولكن بعد عامين من توقيع البروتوكول، تم الإعلان أن مبيعات وأرباح الشركة قد انخفضت بشكل كبير.
بعد نحو 6 عقود من النجاح والتوسع محلياً وإقليميا، بدأت الشركة في تحقيق خسائر ضخمة والتراجع في الأسواق المصرية، كما انكمشت صادراتها للخارج ودخلت الشركة في مجموعة من الأنشطة غير المبررة والبعيدة عن اختصاصها، وهو ما أثر على نتائج أعمالها. حيث تعاقدت مع شركة مقاولات لهدم وإزالة مبنى مصنع القبة في منطقة الأميرية لتحويله إلى مباني سكنية ونادي رياضي واجتماعي، وتم إخلاء الموقع الصناعي لأغراض تجارية وترفيهية.
التسعير الإجباري للأصول المصرية بالجنيه
بالرغم من إن شركة باكين كانت ضمن برنامج بيع 32 شركة مملوكة للدولة، وكان غرض الحكومة من بيعها هو توفير سيولة من الدولار لحل أزمة نقص العملة الأجنبية وسداد الالتزامات والأعباء المالية التي تواجهها، إلا إن تنفيذ الصفقة حدث بالجنيه المصري، ما يجعل بيع الشركة بالعملة المحلية يتنافى تماماً مع الغرض من البيع ويجعله غير ذي جدوى.
وتتوقع وكالة بلومبرغ أن صفقة استحواذ الشركة الإماراتية على باكين، لن تكون الصفقة الأخيرة التي يتم تقييمها بالجنيه، إذ أصبحت الأصول المصرية مغرية للمستثمرين الخليجيين عند تسعيرها بالعملة المصرية منخفضة القيمة.
لقد كان التسعير عائقاً في صفقات أخرى، حيث فشلت محادثات مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي للاستحواذ على “المصرف المتحد” بسبب خلاف حول تقييم سعر الصفقة. فقد أراد الصندوق السعودي تقييم البنك بالجنيه المصري، فيما فضل البنك المركزي أن يكون التقييم بالدولار فقط. وقد تكررت المشكلة في صفقة استحواذ الإمارات على شركة مصر للألمونيوم، وصفقة استحواذ قطر على حصة الحكومة المصرية في شركة فودافون، وبالتالي تعثرت عمليات البيع، وتأزم الوضع الاقتصادي إلى حين تنفيذ رغبات الدول الخليجية.
شاركما رأيك بخصوص جدوى بيع الشركات الحكومية المصرية بالجنيه لشركات خليجية.