نزع الحُرمة والقداسة.. لماذا كلّ هذا “التطوير”؟

من السمات البارزة التي ميزت حركة البناء والهدم التي عمت البلاد خلال العقد الأخير من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، ريفها وحضرها وصعيدها وسواحلها هي التسارع الشديد في التنفيذ، مع تذليل كل العقبات التمويلية والإدارية والأخلاقية عبر الديون والإسناد المباشر، وبغض النظر عن دراسات الجدوى، كأنَّ هناك أغراضاً غير معلنة من تلك الأعمال.

تقول الحكومة في روايتها الرسمية إنّ مشروعات الإنشاءات تلك تأخرت كثيرًا، لسنوات، وهذا أحد أسرار الحرص على سرعة إنجازها، كما أنها تشغل أعدادا ضخمة من العمالة البسيطة مثل عمال اليومية وتحرك طيفا كبيرًا من الصناعات الوسيطة في مجالات النقل والبناء. 

ولكنَّ خبراء اقتصاديون مستقلون يربطون بين ذلك السعي المحموم والهيستيريِّ لخوض المغامرات الإنشائية، وبين أسباب أخرى لا تفضل الحكومة ذكرها بشكل مباشر، على رأسها: 

  • الاعتماد على الشكل الخارجي، عوضا عن المضمون، لإثبات جدية التغيير، وهو المفهوم الذي طالما تحدث عنه السيسي، بين السطور، بأن الدولة في تلك الفترة، في حاجة إلى أن تُريَ المواطن الأعمال أمام عينه، وهو ما يفسر جزءا من الولع بالرمال والحديد والأسمنت.
  • إشراك المؤسسة العسكرية في الأعمال المدنية بطول البلاد وعرضها، بما يبدو أنه محاولة لخلق حالة ولاء مستمرة، مربوطة بالمال والأعمال والمعاملات، لا مجرد الرمزيات، بينها وبين مؤسسة الرئاسة.
  • الاستمرار في ربط الاقتصاد المصريِّ وظيفيا بالخارج ضمن علاقة الدائن والمدين، والمقرض والمقترض؛ فالملاحظ أنه خلال عقد تجاوز حجم الديون الخارجية 155 مليار دولار، وذهبت مناطق وقطاعات بعينها إلى دول كبرى: على سبيل المثال، الصين والعاصمة الإدارية الجديدة، ألمانيا ومشروعات الطاقة، أسبانيا والقطارات والصوب الزراعية، فرنسا وصفقات السلاح، إيطاليا والغاز، بما يضمن اتصالا مستداما على المستوى السياسي بين تلك الدول الكبرى ومؤسسة الرئاسة.

 

ماذا عن نزع القداسة؟

الملاحظ أيضا، أن هناك رغبة مضمرة من تلك الأعمال التي يقول السيسي إن 7 تريليونات جنيه هي رقم ضئيل جدًا عليها، يبدو أنه من ضمن أهدافها تعويد المواطن على الاستباحة: استباحة الجسد، والملكية الخاصة، والأماكن التاريخية، والأرض، والثروات الثمينة، والرمزيَّات الوطنية، التي طالما ظلت خطوطا حمراء. ومن ذلك:

 

  • التساهل في تفكيك وبيع الكيانات الصناعية التاريخية التي كانت ترمز للاستقلال الاقتصادي، مثل قطاعات الحديد والصلب والأسمدة والدواء والبنوك، وآخرها طرح نسب من 3 بنوك للبيع في مطلع الأسبوع الثاني من فبراير الماضي، ضمن خطة أكبر لبيع حصص في 32 كيانا وطنيا.
  • التساهل الشديد في التفريط القانوني والرسمي في جزيرتين استراتيجيتين على البحر الأحمر (تيران وصنافير) في عام 2016.
  • بيع الرموز المعمارية التاريخية الخاصة بمنطقة وسط البلد لمستثمرين أجانب بداعي التطوير، وعلى رأسها الفنادق التاريخية ومجمع التحرير الحكومي، تحت إشراف ما يُعرف بالصندوق السيادي.
  • التساهل مع العبث غير المبرر في الرمزيات الجغرافية والتاريخية في القاهرة، تحت لافتة تطوير مناطق كورنيش النيل في حي الساحل (154 فدانا) وكورنيش النيل في حي المعادي (1640 فدانا) وميدان رمسيس والسبتية (14 فدانا) – ومناطق تلاقي محطة سكك حديد بشتيل بالمونوريل غرب القاهرة (6,000 فدان) نهاية يناير الماضي، ولتنضم تلك المناطق إلى الأراضي والمساكن التي نزعت من المواطنين بدعوى التعدي على ملكية الدولة (الوراق – ماسبيرو – نزلة السمان – العوامات النيلية) والمناطق التي تغيرت لمشروعات النفع العام من المترو وتوسعة الدائري (الزمالك – المرج – جنوب الجيزة – سيناء: رفح والعريش) إضافة إلى المناطق التي تعمل الحكومة على تطويرها لمبررات جمالية (القاهرة التاريخية).

شاركنا رأيك: كيف ترى دوافع الأعمال الإنشائية التي تعم البلاد؟

 

 

 

 

 

أضف تعليقك
شارك