عقب خروج 20 مليار دولار من سوق الديون المصرية باتجاه السوق الأمريكي مع رفع البنك الفيدرالي الأمريكي لمعدلات الفائدة، خرج وزير المالية المصري محمد معيط في يوليو 2022 خلال لقاء تلفزيوني مع عمرو أديب قائلا (إن الدولة المصرية تعلمت الدرس فيما يخص الأموال الساخنة من 3 مرات متتالية في 2018 و2020 و2022). وأكد معيط أن الدولة وضعت استراتيجية تنص على عدم الاعتماد على هذا النوع من الأموال مرة أخرى، وأنها ستتجه للاعتماد على التوسع في الصناعة والزراعة، وجذب الاستثمارات.
ريما تعود لعادتها القديمة
أوحت تصريحات الوزير معيط الاعتذارية بأن الحكومة انتبهت أخيرا للتحذيرات التي ظل خبراء الاقتصاد يرددونها منذ عام 2014 بخطورة الاعتماد على جذب الأموال الساخنة التي تستثمر في الديون المصرية مقابل معدلات فائدة هي الأعلى عالميا، وهو ما ساهم في ارتفاع الدين المصري الخارجي من 40 مليار دولار في عام 2014 ليصل إلى 157 مليار دولار في عام 2022.
لكن المفاجأة أن تصريحات معيط بردت وتلاشت ونزلت الأرض على طريقة عبدالفتاح القصري في بضعة شهور فقط، حيث طرحت الحكومة المصرية في 22 فبراير 2023 ديونا على شكل صكوك سيادية بأجل 3 سنوات في بورصة لندن بنحو 1.5 مليار دولار. وأصدرت وزارة المالية المصرية بيانا تبشر فيه المواطنين بأن أكثر من 250 مستثمرا عالميا شاركوا في الاكتتاب الذي غطى المبلغ المطروح بأكثر من أربع مرات حيث اجتذب 6.1 مليار دولار.
وأضاف البيان الحكومي أن الاكتتاب الأخير هو جزء من برنامج لإصدار صكوك لعدة سنوات مقبلة بقيمة ٥ مليار دولار، وزعم أنه سيجري تداول الصكوك بالتوافق مع الشريعة الإسلامية رغم تحديد سعر فائدة ثابت يتجاوز 11%، وهو ما ينافي أحكام الشريعة التي تحرم تحديد نسبة فائدة على أصل رأس المال.
الزيتونة
تبين أن الحكومة طرحت الصكوك الأخيرة للحصول على أموال لسداد سداد سندات دولية قديمة بقيمة 1.25 مليار دولار سبق أن طرحتها بعائد يبلغ 5.577%، أي أن الحكومة طرحت صكوك جديدة بفائدة 11% كي تسدد استحقاقات سندات قديمة بفائدة 5.577%، وهو ما يعني تضاعف معدلات الفائدة، وهذا هو السبب في إقبال المستثمرين الأجانب على المشاركة في الطرح الأخير، للاستفادة بالمكسب المضمون والمرتفع، والذي سيتحمله كاهل المواطن المصري المطحون عبر زيادة حجم الدين الخارجي بدلا من العمل على تخفيضه.
خطوة ايجابية أم خطوة في طريق الإفلاس؟
أشارت وزارة المالية إلى أن الإقبال على الاكتتاب في الطرح الأخير يشير إلى ثقة أسواق المال العالمية والمستثمرين في مستقبل الاقتصاد المصري، بينما الأمر مجرد فقاعة كبيرة وترحيل للديون للمستقبل عبر الاستدانة بمعدلات فائدة ضخمة لجذب الأموال من سوق الديون. وعند حلول موعد سداد الصكوك الجديدة ستضطر الحكومة لبيع المزيد من الأصول والشركات الرابحة أو الاستدانة عبر طرح سندات وصكوك أخرى بفوائد مرتفعة، وهي وصفة مضمونة للوصول إلى الإفلاس في نهاية الأمر.
الملفت في هذا الوضع أن وزير المالية تجاهل تصريحه السابق بأن الدولة تعلمت الدرس، إذ رسبت الدولة في اختبار الاقتصاد بشكل أدهش جميع الخبراء والمراقبين، ولم يعد لديها حلول ناجعة لإنقاذ الاقتصاد.
شاركنا رأيك بخصوص تداعيات عودة الحكومة المصرية مجددا لسوق الديون والأموال الساخنة.