بلغت صادرات الأرز المصرية في عام 2007 مليون طن بفضل زيادة المساحة المزروعة بما يعادل حينها مليار دولار أمريكي، أي أنّ الأرز كان مصدراً معتبرًا حينها للعملة الصعبة التي تُضخ في الاقتصاد ويستفيد منها المزارع والمُصدر والدولة. لكن في مطلع عام 2023 ، واجهت جميع الأطراف بداية من المزارع حتى المستهلك الأخير أزمةً حقيقية في الاستفادة من الأرز وتوفيره، إلى أن وصل سعره في السوق المحلي إلى 25 جنيهاً، فيما تسعى وزارة التموين لاستيراده من الخارج.
“تقليص المساحة المزروعة”
بهدف ترشيد المياه مع تحول سد النهضة الأثيوبي إلى أمر واقع، وثبات حصة البلاد من المياه العذبة عند 55 مليار متر مكعب نظريا، والزيادة السكانية المطردة، قلصت الدولة تباعا عبر إجراءات عقابية مشددة النطاق الجغرافي للأراضي المزروعة بالأرز.
فبعد أن كان الأرز يزرع في طول البلاد وعرضها، صار منذ 2016 ممنوعا زراعته في الوجه القبلي، وبحلول عام 2022 انخفضت مساحة الأرز المزروعة بمصر إلى حوالي 740 ألف فدان موجودة في 9 محافظات فقط ليقل بالتبعية إنتاج البلاد من الأرز، ويُغلق باب التصدير، وإلا فالعقوبة مغلظة بالحبس والغرامة!
“التسعير غير العادل”
حددت الحكومة سعرًا لشراء الأرز خلال موسم التوريد نهاية أغسطس الماضي رآه معظم الفلاحين غير عادل، وهو نحو 6500 جنيه للطن، مع إجبار الفلاحين على توريد طن أرز عن كل فدان أي ما يعادل ربع إنتاج الفدان، وتطبيق عقوبات قاسية على المخالفين من أبرزها الحرمان من زراعته والغرامة بأعلى من سعر التوريد الحكومي بحيث تصل 10 آلاف جنيه، وحجب السماد الكيماوي المدعوم للفلاح المخالف، وذلك بهدف تجميع 1.5 مليون طن من الفلاحين للبطاقات التموينية والمجمعات الحكومية.
بحلول ديسمبر 2022، وضعت الحكومة أيضاً تسعيراً إجباريا في الأسواق يتراوح بين 12 – 15 جنيهاً حسب جودة الأرز، وتوعدت المخالفين بغراماتٍ تصل 5 مليون جنيه، وفقا لقانون حماية المستهلك. فيما منعت الحكومة تصدير الأرز حيث قال وزير التموين عبارته الشهيرة “اللي عايز يقعد أرزه عنده، يخليه عنده ويتصور جنبه”.
“نتائج محبطة”
بناءً على تلك القرارات المتتابعة للحد من زراعة الأرز، وفرض منظومة إغلاق على حلقات التوزيع من الفلاح إلى التاجر، وبالتزامن مع غلاء أسعار الأعلاف، استخدم الفلاحون الأرز المخزن لديهم كعلف، ورفضوا تسليمه إلى مضارب الأرز، كما احتفظ كبار التجار بمخزونات الأرز لديهم بدلا من بيعه بالسعر الحكومي الإجباري. ولم تجمع الحكومة سوى 400 ألف طن أرز فقط من أصل 1.5 مليون طن سعت لجمعهم.
جاءت المحصلة بأنَّ أصبح الأرز إما غير موجود في السوق أو موجود بجودة منخفضة فيرفض المواطن شراءه، بينما تواجد أحيانا بكميات قليلة بأسعار أعلى من التسعيرة الإجبارية، لدرجة أن بقالي التموين باعوا الأرز المدعم للمواطن على البطاقات بسعر لا يقل عن 17 جنيها، بالمخالفة للتسعيرة التي تريد الحكومة فرضها على المتاجر.
“الراية البيضاء”
بحلول فبراير 2023، عدل مجلس الوزراء عن قرار التسعيرة الإجبارية، وترك السعر للعرض والطلب كي يخرج التجار ما لديهم في المخازن، فتراوح سعر الأرز في السوق الحر بين 20 – 25 جنيها للكيلو الواحد، مع وصول سعر الطن طويل الحبة إلى 17 ألف جنيه.
في نفس السياق وبالتزامن تقريبًا، أعلنت وزارة التموين طرح مناقصة لاستيراد 25 ألف طن أرز قصير الحبة بنسبة كسر 10% من الخارج لصالح الهيئة العامة للسلع التموينية، على أن تصل الشحنة في موعد أقصاه 20 مايو القادم، مبررة الطرح بأنه محاولة للسيطرة على السوق، وأن الحكومة اعتادت استيراد الأرز من الصين والهند، فتلك المرة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة! بينما المواطن أصبح الضحية لارتفاع ثمن كيلو الأرز.
شاركنا رأيك: كيف ترى سياسات الحكومة في ملف الزراعة والتجارة الداخلية؟