(من المؤسف أن تفوتك الحياة بسبب موقعك الجغرافي) – عبارة يرددها سكان عزبة أبو رجب الأصليون على مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل انعدام التغطية الإعلامية الرسمية لمشكلتهم، واحتمال تهجيرهم في أي لحظة من مساكنهم التي تربوا وعاشوا فيها.
عزبة أبو رجب هي نطاق سكاني صغير جداً، تابع إداريا لمحافظة القليوبية، وطالما اتصف بالانغلاق والخصوصية بسبب عزلته الجغرافية بعيدًا عن المراكز الحضارية الكبرى في القاهرة، حيث عمل الناس هناك قبل عقود في الفلاحة، ولا زالوا إلى الآن يقومون بتربية المواشي، وكل سكان العزبة تقريبا يعرفون بعضهم البعض، بسبب الاشتراك في الأصول والنسب والأنشطة الاقتصادية المتشابهة والطابع التكافلي للمنطقة.
تشرح هبة أحمد، إحدى فتيات العزبة خصوصية المكان، فتقول (الملعب الوحيد هو الملاهي عندنا. العزبة تراث مش مجرد بيوت مبنية بالطوب، أجدادي مولودين هنا، زمان كانوا بيحسدونا على الهدوء والأمان والخضرة والهواء النظيف)، إلى أن بات كل ذلك مهددًا.
موقع استراتيجي
بالاستناد إلى التاريخ الشعبي والوثائق الرسمية القديمة وروايات الأجداد، يرجح أبناء العزبة أن تاريخ التطور الاجتماعي فيها يبدأ تقريبا من عام 1880، حيث كانت تسمى بعزبة أحمد بك أبو الإصبع، ولكن عدة متغيرات سياسية وإدارية دخلت بمرور الوقت على المكان:
- أولا، بعد حركة الضباط الأحرار في يوليو 1952، تغيرت تبعية العزبة جزئيًا من الجمعية الزراعية الملكية إلى الجمعية الزراعية المصرية، التي تعد كيانا إداريا مستحدثا وفقا للتحول من الملكية إلى الجمهورية، ومن الإقطاع إلى الملكية العامة، وبمرور الوقت تعاظمت الكيانات الحكومية المستحدثة للجمهورية تبعا لتعاظم دور الدولة، حتى نشأت كيانات مثل المركز القومي للبحوث الزراعية في السبعينيات، ومحطة البحوث الزراعية في بهتيم، التي باتت تنظر إلى العزبة وما حولها على أنها امتداد لنطاقاتها الإدارية.
- ثانيًا وهو الأهم، أنه بعد نمو شبكة الطرق التي دشنتها الدولة مؤخرا، مثل الطريق الدائري ومحور العصار وطريق شبرا بنها؛ فإن تلك المنطقة صارت تساوي ملايين الجنيهات، وربما المليارات، حيث يوجد حولها حزام غير مأهول يقدر بـ 60 فدانا تقريبا، يمكن استثماره عقاريا وتجاريا وترفيهيًا، ما جعل المنطقة مطمعاً للمستثمرين.
تهديد جاد
المناوشات بين السكان والحكومة التي تسعى إلى إخراجهم من الأرض ليست جديدة، وإنما تعود إلى سنوات، ولكن المستجدات الأخيرة هي الأخطر، حيث نزلت إلى العزبة لجنة حكومية من فنيين نهاية يناير الماضي وقامت بدراسة المكان وحصر البيوت، وعليه نما إلى علم الأهالي البالغ عددهم نحو 250 أسرة، أنه سيتم إخلاؤهم بحلول نهاية فبراير، وهو ما دفع أبناءها إلى تدشين وسم () على مواقع التواصل الاجتماعي.
مطالب بسيطة
على عكس مناطق أخرى اصطدمت فيها الحكومة مع السكان المحليين لسبب أو لآخر، فإن أهالي عزبة أبورجب لا يتفاوضون مع الحكومة على قيم التعويضات غير العادلة، ولا يرفضون مغادرة البيوت، وإنما يقول معظم السكان إنهم يريدون بيوتا بديلة فقط لئلا تتشرد أسرهم، وهو ما لم تطرحه الحكومة بعد، رافعة شعار: الخروج دون بديل، لأن تلك المنطقة أملاك قديمة للدولة، وحان وقت استثمارها!
في هذا الصدد، يقول أحد الأهالي في مقطع مصور من العزبة (إحنا مش ضد التطوير، لكن سكِّنونا. شلني من سكن حطني في سكن، لا أن ترميني أنا وولادي في الشارع). ويقول آخر (مطلوب شقة بديلة، الناس ستلقى في الشارع، ممكن ينزلوا 60 فدان يبنوا فيها لحد ما مشكلتنا تتحل، نناشد المسؤولين أن يسمعونا بدلا من سماع شخصيات منتفعة).
ويطالب محمد غريب أحد وجهاء العزبة، والذي تلقى إفادة إدارية من الحي التابعة له العزبة بأن الحكومة ليس لها حق في أراضيهم، بعقد حوار مجتمعي مع الأهالي وعرض مشروعات التطوير ومناقشتها معهم للوصول لأفضل مقترحات توازن بين التطوير ومستقبل السكان؛ خاصة أن الوقت المعروض للخروج قصير للغاية، ومعظم أبناء العزبة في مدارس قريبة، كما أن شهر رمضان الذي اعتاد السكان على التجمع خلاله قد اقترب.
شاركنا رأيك: كيف ترى مشروعات التطوير التي تقودها الحكومة في المناطق الشعبية والأهلية من نزلة السمان والورَّاق حتى عزبة أبو رجب؟