أعلن مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء في مؤتمر صحفي بتاريخ 8 فبراير الجاري أسماء 32 شركة من الشركات الكبرى التي تملكها الدولة والتي تنوي الحكومة طرحها في البورصة أو بيعها لما تسميه بمستثمرين استراتيجيين (الاسم اللطيف لمستثمرين خليجيين) خلال مدة تتراوح من الربع الأول لعام 2023 حتى الربع الأول من عام 2024.
تضم قائمة الشركات أسماء رنانة يعرفها المصريون جيدا مثل بنك القاهرة، مصر للتأمين، ومصر لأعمال الإسمنت المسلح، وشركة “وطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية” و”صافي لتعبئة المياه” التابعتين لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة، والبنك العربي الأفريقي الدولي، وشركة البويات والصناعات الكيماوية “باكين”، ومحطات توليد الكهرباء في بني سويف والزعفرانة.
“الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي”
يأتي الإعلان عن بيع تلك الشركات ضمن الإجراءات التي واقفت عليها الحكومة المصرية استجابة لشروط صندوق النقد الدولي للحصول على القرض الأخير بقيمة 3 مليار دولار. ففي مارس 2022 تقدمت مصر للمرة الرابعة منذ عام 2016 بطلب لصندوق النقد الدولي للحصول على قرض، واستغرقت المفاوضات 7 شهور حتى وافق الصندوق في أكتوبر على منح مصر3 مليار دولار على مدى 46 شهرا، بحيث تتسلم مصر دفعة من القرض كل 6 شهور بعد التأكد من تنفيذها لشروط الصندوق.
أثناء المفاوضات مع الصندوق، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في شهر مايو 2022 أن الحكومة تستهدف تمكين القطاع الخاص ورفع نسبة مشاركته في الاستثمارات المنفذة في مصر إلى 65% خلال السنوات الثلاث القادمة. كما أعلن عزم الحكومة طرح شركات مملوكة للدولة للبيع لصالح القطاع الخاص بهدف جمع 40 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي على مدار أربع سنوات بمقدار 10 مليار دولار كل عام. وكذلك أعلنت رئاسة الجمهورية في نوفمبر 2022 عن قرب طرح شركتي “وطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية” و”صافي لتعبئة المياه” التابعتين لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة في البورصة.
تكشفت الحقائق مع نشر صندوق النقد في يناير 2023 عن حيثيات اتفاقه مع الحكومة المصرية في تقرير اكتفي بنشره باللغة الإنجليزية فقط في أكثر من 100 صفحة، وتضمن اشتراط:
- (التحول الدائم إلى نظام سعر الصرف المرن) أي تحرير سعر الجنيه بشكل كامل، وهو ما فعلته الحكومة في يناير، ووصل الدولار إلى أكثر من 30 جنيها.
- (إلغاء دعم برامج الإقراض التي يقدمها البنك المركزي للمستثمرين والشركات)، وهو ما طبقه البنك المركزي بالفعل عبر إلغاء دعم مبادرات مشروعات القطاع الخاص، والتي كان بمقتضاها يمنح الشركات الصناعية قروضا بفائدة 8%.
- (إصلاحات هيكلية واسعة النطاق لتقليص دور الدولة في الاقتصاد، وبيع أصول مملوكة للدولة) وهو ما أعلن عنه مدبولي في المؤتمر الأخير عبر الموافقة على بيع 32 شركة عريقة من الشركات المصرية .
- (التنفيذ الكامل لآلية ربط أسعار الوقود بالأسعار العالمية، والنظر في إدخال آلية لربط الأسعار المحلية للغاز الطبيعي بالأسعار العالمية، وفرض ضرائب إضافية على الوقود) وهي الخطوة القادمة المنتظرة من الحكومة.
“من السبب؟ وما التداعيات؟”
لجأت الحكومة إلى بيع أصول الدولة في ظل تنامي الديون المصرية، فالدين الخارجي وحده قفز من 40 مليار دولار في عام 2013 ليصل إلى 157.5 مليار دولار في نهاية عام 2022، أي تضاعف نحو 4 مرات دون ايجاد بيئة منتجة، وصُرفت الأموال في بناء العاصمة الإدارية الجديدة والطرق والكباري والقصور الرئاسية. وحين أوشكت الدولة على الإفلاس لجأت إلى بيع الأصول دون محاسبة المتسببين في وصول الوضع الاقتصادي إلى تلك المرحلة.
السؤال هنا، من الذي منح الحكومة حق بيع تلك الشركات التي يملكها الشعب، ففي السابق خلال عمليات الخصخصة كانت الحكومة تتذرع ببيع الشركات الخاسرة، لكنها اليوم تبيع شركات رابحة، وهو ما يحرم الموازنة العامة من الإيرادات السنوية لتلك الشركات. كذلك ما مصير العاملين في الشركات؟ إذ قد يجدون أنفسهم فجأة في الشارع مع توجه الملاك الجدد لتقليص عدد الوظائف أو لدمج الشركات المباعة مع شركات أخرى أجنبية، وللأسف إن الإجابات عن تلك الأسئلة غائبة.
يبدو أن حقبة الخديوي اسماعيل الذي باع ممتلكات مصر ورهنها للأجانب مقابل بناء قصور وتدشين حفلات فخمة ومباني على الطراز الأوروبي تكرر نفسها اليوم، ولكن التجربة الأولى انتهت باحتلال انجليزي وفقدان استقلال البلاد لنحو 70 سنة، فهل نسمح بالدخول في التيه مرة أخرى؟.
شاركنا رأيك بخصوص قرار الحكومة ببيع 32 شركة كبرى تملكها الدولة نيابة عن الشعب؟