لا تقتصر الثقة في العملات الوطنية الرسمية على قيمتها في سوق العملات الدولية فقط، وإن كان ذلك هو العامل الأبرز، وإنما ترتبط الثقة في العملة أيضاً بعامل تقني، وهو تصميمها وصعوبة تزويرها والإجراءات المتخذة ضد المتلاعبين بها
لذلك تحرص البنوك المركزية عالميا على مواكبة تقنيات إنتاج العملة المحلية، بحيث تكون تكلفة إنتاجها اقتصادية، وتمتلك شكلا مميزا يعد جزءا من الهوية البصرية والنقدية للدولة، ويصعب تزويرها، ولعل أبرز الأمثلة في ذلك قيام الولايات المتحدة باستحداث “الدولار الأزرق” إلى جانب “الدولار الأبيض” القديم لأسباب من بينها الحد من فرص التزوير.
في مصر؛ قالت الحكومة إنها أنشأت مطبعة عملاقة لطباعة العملات الرسمية المصرية بفئاتها المختلفة نقديا وإنتاجيا، حيث سيخرج من ذاك الكيان الذي زاره محافظ البنك المركزي السابق طارق عامر في أكتوبر 2020 العملات البلاستيكية والورقيَّة، وذلك بدلا عن المقر التاريخي القديم لسك العملة في الجيزة، كما افتتح السيسي في أبريل 2021 “مجمع الوثائق الحكومية المؤمنة والإصدارات الذكية” الذي يتكامل مع مساعي حماية العملة من التزوير، في بند الأوراق الرسمية، كما ظهرت فئة 10 جنيهات الجديدة في يوليو 2022، والتي قالت الحكومة إنها تعالج عيوب الفئة القديمة، ومن بينها القابلية للتزوير.
“الأموال المزورة”
بالرغم من تلك الخطوات الكبيرة، فقد شهدت السوق المصرية نشاطا مكثفا لتجار العملات المزورة، وإقبالاً موازيا من بعض المواطنين الذين يرون فيها حلا مؤقتا – فيما يبدو – لمشكلات نقص “الكاش” وانخفاض القيمة الفعلية للأجور وتآكل قيمة العملة المحلية بعد ارتفاع الدولار أمام الجنيه بأكثر من 100% في غضون الشهور الأخيرة فقط، فضلا عن الانهيارات السابقة للجنيه، واقتراب التضخم في البيانات الرسمية من حاجز 25%.
تحت أعين أجهزة الدولة، عملت العديد من الجروبات والمجموعات بشكل مكثف على الفيسبوك لبيع العملات المزورة المشابهة كثيرا لفئات العملة الرسمية، ولم تتحرك الأجهزة الحكومية سوى بداية من أكتوبر 2022 استجابة لبلاغات المواطنين المنتشرة حينها على مواقع التواصل، بوجود مجموعات يتجاوز أعضاؤها 65 ألف متابع، إذ قبضت الداخلية على 3 أشخاص من مدن مختلفة، قالت إنهم مسؤولون عن تلك الإعلانات، وإن جهودا مستمرة للقبض على باقي المزورين.
حتى فبراير 2023، لا زال هناك رواج لتلك المجموعات التي تقدم لزبائنها تسهيلات كثيرة، وفقا للمنشور في تلك المنصات، مثل التوصيل للمنازل، والجودة في التقليد، والأسعار التنافسية، وعدم الحاجة إلى دفع مقدم، فقط مقابلة وتنفيذ علي حد وصف المتعاملين في تلك المجموعات.
تتراوح الأسعار في هذه المجموعات بين 300 – 400 جنيه لكل ألف جنيه من العملة المزورة من نوع الفرز الأول، ويضع بعض البائعين حدا أدنى للتعاملات المالية غير القانونية، مثل أن يصل المبلغ المزور المطلوب إلى 3 آلاف جنيه، ليكون المدفوع من الأوراق السليمة ألف جنيه على الأقل.
وفي واقعة لا تخلو من الطرافة والدلالة على تلك الظاهرة، قال أحد المتعاملين مع تلك المنصات إنه أراد بيع الدولار في السوق السوداء بسعر عال أغلى من السعر الرسمية (30 جنيها تقريبا)، فقام مشتري الدولار بإعطائه أموالا مصرية مزورة، ولم يكتشف البائع إلا لاحقا، ليعترف أيضا أنه باعه دولارا مزوراً!
“مخاطر وتساؤلات”
تقع مهمة ملاحقة تلك المجموعات على عاتق أجهزة الشرطة المختلفة ومباحث الإنترنت، ويمكن رصد بعضها بسهولة شديدة، عن طريق تتبع أرقام الهواتف المرفقة مع منشورات البيع للتواصل أو عمل “أكمنة” لأصحابها في الأماكن العامة ممن لا زالوا ناشطين حتى الآن.
تفتح تلك التجارة غير القانونية الباب على مصراعيه لعدم الثقة في المعاملات بين المواطنين، فإذا قام أحد التجار النابهين بكشف عملة مزورة، فإن من أعطاها إياه في المعاملة ليس بالضرورة من قام بتصنيعها أو شرائها، وإنما من الوارد أنه أيضا كان ضحية للنصب، ما يجعل أحد الأطراف معرضا للتشهير الشعبي أو العقوبة بالسجن مدة تصل 3 أشهر وفقا للمادة 204 من قانون العقوبات المصرية.
كما يفتح تداول تلك الأموال بكثافة الباب أمام شيوع الغش التجاري بأنواعه، فمع شيوع النقود المزورة تنتشر البضائع المزورة في دائرة مفرغة تضر بالمجتمع، وتزيد من مخاطر التضخم بسبب زيادة الأموال المزورة في أيدي المواطنين.
شاركنا رأيك: ما سبب انتشار النقود المزورة؟ وكيف يمكن الحد منها؟