منذ عام 2016 صار تخفيض الجنيه المصري أمام الدولار والارتفاعات الكبيرة المفاجئة في التضخم أمرًا معتاداً في قاموس تعامل المواطن مع الحكومة، حيث ارتفع الدولار أمام الجنيه بنحو 500%، لتصل قيمة الدولار الواحد إلى نحو 30 جنيهًا.
من جانبها، تحدّث الحكومة تشريعاتها وقوانينها أولا بأول كي تتواكب الخدمات المقدمة للمواطن مع الانخفاض في قيمة الجنيه وارتفاع الأسعار بدءًا من تذكرة مواصلات النقل العام إلى أسعار السلع على البطاقة التموينية، وصولا إلى السيَّارات والوحدات السكنية.
في المقابل، فإنّ الحكومة تستميت وتستخدم كل الحيل حتى تتعامل مع المواطن بالأسعار القديمة حال كونها هي المشتري والمواطن هو البائع، مثلما هو الحال في تعويضات الوحدات السكنية التي تهدمها الحكومة لأغراض مشروعات الطرق، حيث تدفع الحكومة إلى الآن تعويضا يعادل 40 ألف جنيه على الغرفة الواحدة، رغم انخفاض قيمة الجنيه وارتفاع الأسعار.
“حق الحكومة”
تحسُّبًا لتقلبات سعر الجنيه والأسعار، فإن الحكومة في وثيقة التعاقد الأولية بينها وبين المواطنين في مشروعات الإسكان التي تحتوي أصلا بنودا مجحفة مثل حظر التصرف في الوحدة السكنية قبل مرور 7 سنوات على الأقل، وعدم أحقية المشتري في حصة من الأرض المقام عليها العقار؛ تضع هامشا محتملا لزيادة قيمة الوحدة السكنية في تلك التعاقدات بنسبة 10%، وهو ما يسري على الوحدات التي لم يبرم أصحابها تعاقدات نهائية، بحيث تصل قيمة شقة إسكان محدود الدخل النهائية بعد الزيادة إلى 340 ألف جنيه.
في نفس السياق، أدخل مجلس الوزراء تحديثا على القانون المنظم لأسعار بيع الوحدات التي تبنيها الدولة من إسكان محدود ومتوسط للدخل، بحيث يكون سقف الوحدة السكنية لمحدودي الدخل بعد التعديلات الجديدة 450 ألف جنيه بدلا من 350 ألف جنيه، ويصبح سعر وحدة متوسط الدخل 1.7 مليون جنيه بعد أن كان 1.4 مليون جنيه.
أما عن السيارات، فقد رفعت الحكومة في أكتوبر وديسمبر الماضيين على التوالي أسعار السيارات التي تطرحها في مبادرة “إحلال السيارات المتقادمة بالغاز الطبيعي” لكي تتواكب مع التغييرات في سعر السوق بحيث يكون سعر أقل سيارة في المبادرة هو 341 ألف جنيه، وعليه تصل أسعار موديلات مثل “شيري تيجو” من الفئة الثالثة إلى 400 ألف جنيه، و“هيونداي إلنترا” الفئة الرابعة إلى أكثر من 460 ألف جنيه.
“حق المواطن مهدور”
قد يقول قائل إنه من حق الحكومة أن تحدث أسعار خدماتها بما يتلاءم مع مستهدفاتها المالية على ضوء متغيرات السوق لكي تعاود إنفاقها على المواطن في صورة بنية تحتية ومشروعات؛ ولكن الغريب أن الحكومة لا تقوم بالمثل بتحديث الأجور وتسعير المنتجات التي تشتريها من المواطن، ولا حتى التعويضات التي تدفعها للسكان قبل إجلائهم من ديارهم.
فبالنسبة لسكان منطقة بير أم السلطان في البساتين بالقاهرة فإن قيمة التعويضات المطروحة مقابل إخراجهم من بيوتهم بحجة توسعة الطريق الدائري في المرحلة الثانية تبلغ 40 ألف جنيه لكل غرفة، وهو نفس سعر الصالة، على أن يعامل المطبخ والحمام، معا معاملة الغرفة الواحدة، كما تحدد قيمة المتر التجاري بـ 3 آلاف جنيه فقط.
يتساءل أحد أصحاب المحلات التجارية في المنطقة ويدعى هاني عويس خلال لقاء صحافي: “أملك محلا مساحته 85 مترا، فإذا أعطتني الحكومة 240 ألف جنيه تعويضا عن المحل، هل يمكنني شراء محل في منطقة أخرى بنفس المساحة بعد انخفاض قيمة الجنيه وارتفاع أسعار الوحدات السكنية والتجارية؟”.
ترد الحكومة على عويس وجيرانه من سكان المنطقة، بأن الخروج إجباري، وعليهم القبول بالتعويض المطروح أو الحصول على محلات في مناطق جديدة نائية أقل حركة تجاريا، علما بأنها تتهم سكان المنطقة بالبناء والاستحواذ على أراضي الدولة، مما يجعل من تلك التعويضات فضلاً من الحكومة وليس حقا للسكان.
من وجهة نظرك: هل سيستطيع أمثال هاني عويس شراء محل جديد بنفس المساحة في مكان آخر بالتعويض الذي تقترحه الحكومة؟