القطاع الحرفي من القطاعات الضخمة في مصر، ويتجاوز حجم استثماراته 20 مليار جنيه، وبحسب رئيس غرفة الحرف اليدوية مسعد عمران، يعمل في قطاع الحرف اليدوية نحو 3 مليون شخص من بينهم نحو مليون سيدة ، ويعمل 97 % منهم بشكل غير رسمي بينما 3 % فقط يعملون بشكل رسمي.
يعاني الحرفيون في مصر من تدهور الوضع الاقتصادي في ظل ارتفاع معدلات التضخم وتراجع حجم الصادرات، فضلا عن العديد من المشكلات التي تؤدي إلى إغلاق الآلاف من الورش وتشريد العمالة، وهو ما دفع العديد من الحرفيين لترك حرفهم التي امتهنوها لسنوات ليتجهوا نحو حرف أخرى مثل السواقة والتجارة وغيرها من الأعمال المستقرة نسبياً لتأمين احتياجاتهم الأساسية.
مشكلات متراكمة
أزمة الحرفيين بدأت مع الانفتاح الاقتصادي الذي طبقه الرئيس الراحل أنور السادات، مع فتح باب الاستيراد بلا ضوابط محددة، خرجت حرف مصرية أصيلة من سوق المنافسة مع جلب المستوردين لسلع بديلة بأسعار رخيصة، إلا أن القطاع استطاع الصمود لبضعة عقود.
خلال السنوات الثمانية الأخيرة، اتخذت الحكومة العديد من القرارات الاقتصادية التي أدت تداعياتها إلى تدمير هذه الشريحة من المصريين مثل قرار تعويم الجنيه الذي ساهم في ارتفاع سعر الدولار في عام 2016، وهو ما انعكس على زيادة سعر المواد الخام التي يستخدمها الحرفيون لأنها تستورد من الخارج بالدولار، وبالإضافة إلى غياب التمويل، وزيادة الأسعار في كافة جوانب الحياة مثل أجور المحلات وارتفاع أسعار الكهرباء والخدمات وزيادة الأعباء الضريبية، ازدادت معاناة الحرفيين.
فعلى سبيل المثال بحسب أحد الحرفيين فإن خام الحرير لم يكن سعره يتجاوز 150 جنيها في السابق، ويتوفر عن طريق الأسر المنتجة ومركز البحوث الزراعية، ولكن لاحقا ارتفع سعر الكيلو ليصل إلى 1000 جنيه، مما حمل الصناع أعباء إضافية بنسبة 300 % ففضل البعض إغلاق الورش والأنوال توفيرا للعمالة، وهو ما أثر بالسلب على حركة البيع.
يواجه قطاع الحرفيين مشكلة أخرى تتمثل في عدم وجود قواعد بيانات يمكن الاستناد عليها في وضع سياسات صحيحة، وعدم وجود أكواد للمنتجات اليدوية، فضلا عن تداخل الاختصاصات بين الجهات المعنية بالقطاع، وارتفاع تكلفة المعارض الخارجية مما يعوق عمليات التسويق.
محصلة ما سبق نلاحظه خلال السنوات الأخيرة في اندثار العديد من الحرف اليدوية مثل الحدادة والحياكة والدهان، وصناعة الأحذية، والقباقيب، والنجارة العربية الأرابيسك، والصدف، بالإضافة لصناعة المقشات البلدية، والحبال والخيوط، والتنجيد، والمشغولات النحاسية، والسروجية وحدوة الحصان وغيرها.
غياب حكومي
بحسب الدكتورة عبلة عبد اللطيف، المدير التنفيذي لمركز الدراسات الاقتصادية “فإن المعلومات المتاحة عن هذا القطاع ضعيفة جدا حيث لا تتوافر معلومات دقيقة حول الحجم الحقيقي للسوق، وتوضح أرقام صادرات القطاع الحرفي أنها انخفضت من نحو 431 مليون دولار عام 2013 إلى 269 مليون دولار عام 2017، وفي المقابل تزيد الواردات خاصة من الصين.”
ومع ضعف السياحة وتراجعها بشكل كبير فقد انخفضت أيضا مبيعات صناعة الحرف في محلات “البازارات” وتوقفت الورش عن صناعتها. وهو ما يطرح أسئلة حول الدور الذي تلعبه الحكومة في سبيل الحفاظ على هذه الحرف من الاندثار؟ ولماذا لا توفر أي معلومات حول الحجم الحقيقي لهذا السوق؟