في 4 يناير 2023، أصدر رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي قرارًا نشرته الجريدة الرسمية بعنوان “الترشيد في الجهات الداخلة في الميزانية العامة والهيئات الاقتصادية العامة في ظلِّ الأزمة الاقتصادية”. وهو جيد من حيث الشكل، ولكنَّ الشيطان دومًا يكمن في التفاصيل.
القرار الذي صدرت مثله قراراتٌ مشابهة في الأعوام الماضية، منها القرار الصادر في أكتوبر 2021، يعتمد على أداتين للتَّرشيد المزعوم هما: التقليص المحدد بنسبة مئوية معينة ينبغي ألا يقل الترشيد عنها، والحظر التام للإنفاق الحكومي على بنود أخرى معينة، مع التهديد بإجراءات عقابية حيال المخالفة، تتضمن حجب المخصصات والإحالة للتحقيق.
ويختلف القرار الصادر هذه المرة عن القرارات السابقة في توسيع الصلاحيات النظرية لـ“محافظ البنك المركزي” في تمرير الاستثناءات، بالنظر إلى صعوبة تدبير العملة الصعبة، جنبًا إلى جنب مع وزير المالية ورئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، إلى أن تنتهي صلاحية القرار بنهاية العام المالي الحالي في يونيو 2023.
“أبرز البنود”
- الحد من السفر غير الضروري خارج البلاد لموظفي الحكومة، إلا بموافقة رئيس مجلس الوزراء، أو تحمل الجهة الداعية للسفر مصروفات الرحلة.
- إعادة النظر في المشروعات ذات الصفة القومية التي لم تبدأ بعد، وتحوي “مكونا دولارياً واضحا”.
- إعادة النظر، بالتقليص أو بحظر الصرف في بنود: الأجور والتعويضات، والسلع والخدمات، والدعم والمزايا الاجتماعية، في كل إدارة محلية وهيئة عامة خدمية وجهاز إداري وهيئة عامة اقتصادية، على نحو يحدُّ من أيِّ مصروفات ليس لها طابع الضرورة القصوى خلال 6 أشهر القادمة.
“عيوب القرار”
أشارت وكالة “بلومبرغ” الاقتصادية في تعليقها على القرار إلى أنّ هناك تعمدا لتجنب تحديد المشروعات التي تستهلك الموارد الدولاريَّة والمشروعات التي سيجري إعادة النظر فيها والعائدات التي سيتم توفيرها من القرار، ولو بنسب تقديرية.
يكتنف الغموض كثيرًا من قرارات الحكومة ، خاصة في الفترة الأخيرة مع الأزمة الاقتصادية، بما يتنافى مع مبادئ الشفافية ومتطلبات إشراك الرأي العام في الملفات الضرورية، حيث امتنعت الحكومة عن الإفصاح عن مصادر التدفقات الدولاريّة المليارية التي ضختها للتخفيف من أزمة تكدس البضائع في الموانئ، كما صرح مدبولي بأن هناك خطة لتوفير الموارد الدولاريّة لن يتم الإعلان عنها “إلا بعد تنفيذها”.
الجهات المستثناة من الترشيد
في غمرة الاستثناءات الضرورية التي طالت قرار الترشيد مثل استثناء وزارة الصحة والجهات المسؤولة عن تدبير السلع التموينية والطاقة ومخصصات سداد الديون؛ تضمن القرار استثناء كل من: وزارة الدفاع والجهات التابعة لها، ووزارة الداخلية والجهات التابعة لها، وديوان وزارة الخارجية، من الترشيد. أيّ أن تلك الجهات السيادية تغرد بعيدًا عن السرب، وتتعامل كما لو أن الأوضاع جيدة وغير مأزومة.
تلك الاستثناءات دفعت بالنائب السابق ورئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات إلى توجيه انتقادات للقرار خاصة أنه لم ينص على استثناء جهات محددة داخل وزارتي الدفاع والداخلية من الترشيد، وإنما تضمن استثناء الوزارتين والجهات التابعة لهما بالكامل، مشيرًا إلى أنّ هذه الصيغة التي صدر بها القرار تكرس لسياسة الفصل والتمييز وعدم الرقابة وعدم وحدة الموازنة العامة، بما يتعارض مع الغرض من القانون ابتداءً.
فيما سلَّط مثقفون الضوء على بعض البنود التي أدرجت ضمن نطاق حظر الصرف رغم أهميتها الشديدة للجهاز الحكومي مثل حظر الصرف على “المنح التدريبية ومكافآت التدريب والمنح الدراسية”، حيث وصف يوسف زيدان، القرار بأنه من هذه الزاوية: “خاطئ وخطير ومتخلف ويجب العدول عنه فورا”. كذلك حظر الصرف على الخدمات الاجتماعية والرياضية والترفيهية للعاملين ومستلزمات الألعاب الرياضية وإعانات مراكز الشباب.
شاركنا رأيك: كيف ترى خطة الحكومة لترشيد الإنفاق المالي؟