بالديون والصناديق الخاصة: المصريون يودعون قناة السويس!

خلال المؤتمر الاقتصادي الأخير في العاصمة الإدارية بأكتوبر الماضي، قال السيسي خلال حضوره بين خبراء المال ورجال الدولة، إنّ له فلسفة خاصة في إدارة المالية العامة للدولة، تقوم في جوهرها على اقتطاع نسب من عوائد الميزانية العامة في صناديق خاصة يشرف عليها شخصيًا؛ وذلك بغرض توفير أموال لوقت الأزمات.

طبقا لهذا التفكير، تبلورت التعديلات التي وافق خلالها البرلمان في ديسمبر الماضي على القانون رقم 30 لسنة 1975 للسماح بإنشاء صندوق “سيادي خاص” يقتطع 10% من إيرادات القناة لاستثمارها بعيدًا عن موازنة الدولة، وإذا أضيفت لهذه النسبة متوسط مصروفات الهيئة من أجور وتشغيل وديون، والَّتي وصلت إلى 50% من الإيرادات، ترتفع أحيانا وتقل أحيانا؛ فإن أكثر من نصف عوائد هيئة قناة السويس، الَّتي يسمع عنها المصريون سنويًا مقوَّمةً بالدولار الأمريكي، لن تصبَّ في الموازنة العامة الَّتي تنفق من خلالها الدولة على الصحة والتعليم والخدمات.

كيف حدث ذلك؟

يخبرنا تحقيق استقصائيٌ، مدعوم بالبيانات الرسمية، أعدَّه الصحافي المتخصص محمد حميد نهاية العام الماضي، وقبل بروز فكرة الصندوق السيادي الخاص بقناة السويس، أنَّه على مدار عقد تقريبًا، في الفترة من 1999 إلى 2010، ظلَّت هيئة قناة السويس تستهلك في مصروفاتها السنوية نسبة تتراوح بين 9% إلى 17.7% من الإيرادات الَّتي تحققها، وهي النسبة الَّتي تترجم في أرقام مليارية بين 1.9 مليار جنيه إلى 3 مليار جنيه في أقصى تقدير.

وقد ظلت هيئة القناة تنفق الأموال المقتطعة من الإيرادات، داخليًا على بندين رئيسين هما: الأجور الخاصة بالعاملين في الهيئة، وعددهم 25 ألف عامل، وبند التشغيل، حيث يذهب ما يزيد عن 30% قليلا من إجمالي المبلغ المقتطع سنويًا إلى الأجور، وباقي النسبة تذهب إلى التشغيل. أي أنه حتى عام 2010، كانت القناة تستهلك سنويًا، في أقصى تقدير 3 مليار جنيه، بما يعادل 17.7% من الإيرادات، لتصرفه على بنديْ الأجور والتشغيل؛ وتذهب باقي النسبة بما يعادل أكثر من 80% إلى الخزينة العامة للدولة.

بداية الانهيار

خلال حقبة حكم المجلس العسكريِّ في عامي 2011 و2012، تم استحداث بند جديد في مصروفات القناة الداخلية المقتطعة من الإيرادات، هو بند “الأعباء والخسائر”، إلى جانب الأجور والتشغيل، والَّذي استهلك وحده عام 2011 (10.7 مليار جنيه) إلى جانب 1.2 مليار جنيه أجور سنوية، ومصروفات تشغيل 1.9 مليار جنيه؛ ليصبح إجمالي ما تستهلكه هيئة قناة السويس، لأول مرة، من مجمل الإيرادات 53%، وليذهب أقل من نصف العوائد فقط إلى خزينة الدولة.

وبدايةً من إطلاق مشروع تدشين التفريعة الجديدة في عام 2014 ، توسَّعت القناة في الاستدانة من البنوك لخدمة “مشروعاتها الداخلية” من حفر وشراء معدَّات من الخارج بالدولار، حيث تحملت إجمالي قروض بنحو 2 مليار دولار، حتى أنّه في عام 2015 استهلكت القناة داخليًا 68.9% من إجمالي الإيرادات، وفق ما يؤكده وائل قدور مدير إدارة الشركات الأسبق بهيئة القناة.

ما يثير الاندهاش، أنَّ هيئة القناة قد نجحت بالفعل في إنجاز أعمال هندسية ضخمة، بأقلِّ قدر من الإنفاق والدعاية الإعلامية في عام 2001، وعلى رأسها تعميق الغاطس ليصبح 66 قدمًا ليستوعب سفنا أضخم، وزيادة طول القناة إلى 192 كيلو مترًا، وزيادة مساحة المسطح المائي إلى 4800 متر مربع.

يشار إلى أنَّ الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس في أحدث تصريحات أشار إلى طلبه من السيسي شراء كرَّاكتين من الخارج لخدمة الأعمال الفنية في منطقة القناة؛ فقال له السيسي: اشتر 4 كرَّاكات، وليس كرَّاكتين فقط.

الفريق مميش يعترض

من اللافت أن مستشار رئيس الجمهورية للموانئ الفريق مهاب مميش، الذي هو في نفس الوقت رئيس سابق لهيئة قناة السويس، وقائد أسبق للقوات البحرية، قد اعترض علنا على مشروع الصندوق السيادي الجديد للقناة؛ بحجة أنه لا يقتطع فقط من إيرادات القناة بعيدا عن الموازنة العامة، وإنما الأخطر أنه يفتح الباب لسابقة تتمثل في مشاركة الأجانب في إدارة النظام والعائدات والأرباح الخاصة بالهيئة، مما يعيد إلى الذاكرة وضع قناة السويس قبل تأميمها في عام 1956.

– شاركنا رأيك: هل توافق على تأسيس صندوق خاص لهيئة قناة السويس يمول من عائدات بيع وتأجير أصول القناة؟

أضف تعليقك
شارك