اعتاد المواطنون على زيارة حديقة الحيوان في الجيزة باعتبارها متنفسا يخفف عنهم أعباء المعيشة وارتفاع الأسعار والغلاء، ففيها مساحات خضراء شاسعة، وحيوانات أليفة ومفترسة، ويكاد لا يوجد مصري ينسى إطعامه للقرود والزرافات بالحديقة أو مشاهدته للفيلة الضخمة ووحيد القرن والخرتيت وغيرها من الحيوانات غير المألوفة في مصر.
ولكن أصاب الحديقة خلال السنوات الماضية ما أصاب بقية البلاد من تدهور في البنية التحتية وضعف في رواتب العاملين، مما انعكس على تراجع أعداد الحيوانات بالحديقة مع صعوبة استقدام حيوانات جديدة محل الحيوانات المتوفاة والنافقة. وسعيا لحل تلك المشكلة أعلنت نائبة وزير الزراعة في عام 2019 عن زيادة سعر تذكرة دخول حديقة الحيوان من 5 جنيه للتذكرة الواحدة إلى 65 جنيه في يوم الثلاثاء فقط – يوم عطلة الحديقة- مع بقاء سعر التذكرة بقية الأيام بخمس جنيهات للمواطن المصري، و20 جنيها للأجانب. ثم زعمت أن أيام الثلاثاء شهدت إقبالا كبيرا من طلبة المدارس رغم زيادة السعر، وبررت الزيادة بأنها تهدف لتوفير مبلغ ٣٠٠ ألف دولار لشراء فيل وزرافة وخرتيت. وأكدت أن زيادة سعر التذكرة لن يؤثر على عدد رواد الحديقة !
الحديقة تجلب أرباحا
تجربة زيادة سعر التذاكر لم تفلح في زيادة الإيرادات بشكل ضخم، لكن ظلت الحديقة بشكل عام تحقق أرباحا من عائدات بيع التذاكر وتأجير الكافيهات والمتاجر داخل الحديقة، إذ بلغ متوسط الدخل السنوي للحديقة خلال الأعوام الأربعة الأخيرة ما بين 35 إلى 38 مليون جنيه سنويا، بينما تتراوح تكاليف التشغيل السنوية من أجور عمالة وإطعام وعلاج للحيوانات ورعاية طبية ما بين 20 إلى 22 مليون جنيه.
وفي ظل أن فائض أرباح حديقة الحيوان يذهب إلى وزارة المالية التي ترفض في ذات الوقت منذ عام 2013 تحمل تكلفة استيراد الحيوانات من الخارج بحجة وجود أولويات أخرى، شرعت حديقة الحيوان في عمليات تبادل للحيوانات مع حدائق نظيرة بالدول الأخرى، ولكن مع ارتفاع تكاليف الشحن، تراجعت عمليات التبادل، وبدأت أعداد الحيوانات في التناقص في ظل عدم وجود آلية فعالة لجلب حيوانات جديدة.
الجيش والإمارات يظهران في الحديقة
في 3 يناير الجاري، عقد السيسي اجتماعا لمناقشة تطوير حديقة الحيوان بالجيزة مع كبار المسئولين بالدولة إذ حضره مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، ومحمد معيط وزير المالية، والسيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، واللواء محمد صلاح الدين وزير الدولة للإنتاج الحربي، واللواء أحمد العزازي رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة. ثم كانت المفاجأة بتشكيل تحالف ثلاثي من شركة الإنتاج الحربي للمشروعات والاستشارات الهندسية التابعة لوزارة الإنتاج الحربي، وهيئة الخدمات البيطرية التابعة لوزارة الزراعة، و شركة إماراتية تدعى Worldwide Zoo للاستشارات. بحيث يدير هذا التحالف الثلاثي حديقة الحيوان لمدة 25 سنة بداية من يناير 2023.
الفوائد والمخاطر
توجد بعض الفوائد من هذا التحالف، حيث ستحصل وزارة الزراعة على مقابل مادي لحق الانتفاع بالحديقة طوال فترة التقاعد، وكذلك على جزء من إيرادات الحديقة، فيما ستتولى الشركة الإماراتية تكاليف استيراد أنواع وسلالات جديدة من الحيوانات، بينما ستتولى وزارة الإنتاج الحربي إعادة تخطيط الحديقة، فيما ستتولى الإدارة البيطرية رعاية الحيوانات طبيا.
لكن السؤال لماذا لم تطرح عملية تطوير حديقة الحيوان أمام القطاع الخاص في مصر؟ بحيث تفوز بها الشركة التي تقدم أفضل عرض مالي وفني بدلا من إسناد التطوير لوزارة الإنتاج الحربي وشركة إماراتية. وكم ستبلغ قيمة تذاكر دخول الحديقة بعد عملية التطوير؟ وهل سيظل بإمكان المواطن المصري الذي يعاني في توفير أساسيات الحياة من مطعم وملبس وعلاج أن يشتري تذاكر باهظة الثمن مثلما هو متوقع؟ وهل سيحرم المصريون من متنفس تاريخي طالما استخدموه بأسعار مناسبة؟ أما التخوف الأكبر فهو أن يتفتق عقل صانع القرار بعد قليل عن قرار بنقل حديقة الحيوان من الجيزة لمنطقة صحراوية نائية، وبيع أراضي الحديقة البالغة 80 فدانا للمطورين العقاريين بمليارات الجنيهات مثلما حدث مع سجون طره وغيرها من الأماكن الموجودة قرب النيل.
ما رأيك في إسناد تطوير حديقة الحيوان لشركة إماراتية وأخرى تابعة للجيش؟