الدعم الحرام: كيف جُرِّد المصريون من ملاذاتهم الأخيرة؟
بداية من عام 2014، قالت الحكومة إنها ستعمل على رفع الدعم تدريجياً عن ملفين بارزين هماالمحروقات والطاقة. وسيتم تحرير أسعار البنزين والوقود عموماً، وتقسيم فواتير الكهرباء إلى شرائح حسب الاستهلاك، تحت دعاوى ترشيد الإنفاق العام، ضمن خطة أكبر تضمنت أيضاً تحرير سعر العملة بشكل نسبي في عام 2016.
ولكن الإجراءات التي تصبُّ في مصلحة المواطن وفقا لنص كلام الحكومة، لم تتوقف عند الطاقة والوقود، وإنما توسعت أيضاً لتشمل كامل بنود فاتورة الدعم بحيث يواجه المواطن في نهاية المطافأعباء الحياة اليومية عارياً من أي حماية. أو كما يقول المصريون: ”ظهره في الحائط”.
قالت الحكومة، أنها ضمن خطة التحول الرقمي وتقليل النفقات، ستحذف كل الأشخاص غير المستحقين من منظومة الدعم، وقد وصل العدد في عام 2020 إلى أكثر من 10 مليون شخص محذوف، وبذلك وفرت الحكومة نحو 5 مليارات جنيه بنص كلام علي مصيلحي وزير التموين.
المفترض، أنّ هذا الحذف الذي يهدف إلى إيصال الدعم لمستحقيه وفقاً للحكومة، لابدَّ أن يتبعه إذا إضافة المستحقين لا سيما المواليد الجدد الذين حُرموا من الدعم العيني بداية من 2005 تقريباً.
ولكن الحكومة قالت إنّ الإضافة موقوفة، لحين الانتهاء تماماً من الحذف، ولحين تدبير الاعتمادات المالية اللازمة. كل ما في أيديكم هو أن تتركوا بياناتكم على السيستم لحين ميسرة. أي أن حذف غير المستحقين، لم يتبعه إضافة، ليستقرَّ عدد مستحقي الدعم في البلاد عند نحو 70 مليون مواطن.
بركة التموين الضائعة
تباعاً، جرى تفريغ البطاقات الموجودة فعلاً من مستحقاتها العينيَّة، وذلك عبر الرفع المتعمد لسعر الخبز عبر تقليل وزنه من جهة، والرفع الدوري – من جهة أخرى – لأسعار السلع التموينيّة؛ مع ثبات المبلغ المقدم للفرد عند 50 جنيهاً لأول 4 أفراد، وهبوطه إلى 25 جنيها للفرد الخامس.
في الأعوام الأخيرة، انخفض وزن رغيف الخبز رسمياً بمقدار 40 جراماً، وذلك على مرحلتين، من 130 جراماً إلى 90 جراماً تصل إلى المواطن في النهاية نحو 70 جراماً. أي أن رغيف الخبز فقد نصف قيمته الوزنيَّة، أو بمعنى آخر ارتفع سعره بما يصل إلى 100%، فالـ5 قروش باتت تشتري “نصف” رغيف تقريباً.
كذلك، ارتفعت أسعار السلع التموينية ارتفاعات هائلة آلت في الأخير إلى إلغاء عبوات الزيت وزن 1 لتر لتحل محلها زجاجات أصغر بحجم 800 مللي، وبسعر يبدأ من 23 جنيهاً، وهو ما امتد إلى كل السلع الأساسية مثل الأرز الذي تخطى سعره 10 جنيهات على بطاقة التموين.
أي أنّ الخمسين جنيهاً التي كان بإمكانها أن تشتري في السابق عدداً جيداً من السلع، لم يعد في مقدورها شراء أكثر من زجاجة زيت وكيلو جرامين من الأرز فقط، وربما بعض أكياس الملح رديء الجودة.
المستقبل المجهول
الجديد في تلك الخطة الحكومية، أنّ الحكومة لا زالت تميل إلى الرفع المباشر لسعر رغيف الخبز بحيث يقترب نسبياً من سعر التكلفة البالغ 65 قرشاً، وهو ما فُهم من تصريح رئيس الوزراء مصطفى مدبولي حينما أثنى على استمرار الحكومة “إلى الآن” في تثبيت سعر رغيف العيش المدعم، إلى جانب الاستمرار في حذف مستحقي الدعم بطرق “غير مباشرة“ عبر تكرار إجراءات “تحديث البيانات“ التي تؤدي تلقائياً إلى إسقاط آلاف المواطنين ممن لا خبرة لديهم في تلك الأمور التقنية.
وقد تحول الشطب من كونه دعما حكوميا ليصبح أداة عقابية فكل مواطن غير صالح بالنسبة للحكومة، كالمتزوّج حديثاً وفقاً لنص كلام السيسي، أو من يبني على أرض زراعية بشكل مخالف، أو من يدخل في مشاكل نفقة مع طليقته سيُحذف تلقائياً من الدعم، ليتبقى للمواطن الصالح الذي تحبه الحكومة الفتات فقط.
شاركنا برأيك بخصوص حجم استفادتك من البطاقة التموينية.