لماذا تعطي وزارة الصحة لقاحات منتهية للمواطنين؟
بالنسبة للدول غير المؤهلة للتعامل مع الكوارث واسعة المدى، مثل الجوائح الطبية والمخاطر البيولوجية، نتيجة ضعف الاقتصاد والبنية الصحية من كوادر بشرية وأنظمة إدارية وتقنيات طبية؛ فإنّ اللقاحات تلعب دوراً مركزياً في تحصين المجتمع من تلك الأزمات.
اللُّقاح بحكم تعريفه هو مركب كيميائي يحصل على موافقة مبدئية على الأقل من جهات الاعتماد المحلية والعالمية لتوزيعه على المواطنين، لا سيما الفئات الأكثر عرضة للإصابة، بعد إنتاجه كميّاً، لقطع الطريق من البداية على مسار الإصابة وتوسع العدوى والتحميل على البنية التحتية الطبية، وهو ما لا تطيقه العديد من الدول، خاصة المتواضعة اقتصادياً مثل مصر.
ولذا، كان أحد المسارات الرئيسة للحكومة في ملف التعامل مع جائحة كورونا، هو محاولة تدبير أكبر قدر من اللقاحات بأنواعها المختلفة بمجرد ظهورها واعتمادها أولياً في بلاد المنشأ، نظراً لأنّ هذا المسار الخاص بالتلقيح هو الأسرع والأرخص، حتى أنّ الحكومة قالت إنّ لديها خطة لتصنيع اللقاحات محلياً وأن تصبح مركزاً لتداول اللقاحات في أفريقيا.
|أين المشكلة؟|
يبدو أن توجه الحكومة للاعتماد الحصري والأساسي على اللقاحات في الاستجابة للجائحة، على حساب أي مسار آخر ممكن كإحداث طفرة في وضع الأطباء اجتماعياً أدى إلى ظهور نمط جديد من الفساد يمكن تسميته فساد اللقاحات.
في يوليو 2022 وثق صحافيون مستقلون بالتعاون مع أطباء بالصور والفيديو، قيام مسؤولين في وزارة الصحة بتمديد صلاحية كميات كبيرة من اللقاحات المستوردة والمحلية بعد انتهاء صلاحيتها الرسمية، من خلال أسلوب بدائي متداول، هو “كشط” العلامة المائية الأصلية المدون عليها تاريخ انتهاء الصلاحية، ووضع علامة أخرى “ستيكر“ بتاريخ جديد أطول من التاريخ الأصلي.
شمل ذلك التغيير لقاحات انتهت في 19 أبريل و19 من يونيو 2022 ومدها بنحو 4 شهور في حالة لقاحات “أسترازينكا”، وإلى 9 شهور في لقاحات “موديرنا”، ونحو عام في لقاح “سينوفاك” المصنع محليا بالتعاون مع الصين في “ڤاكسيرا”، وبالرجوع إلى السجلات الحكومية، تبين أن مسؤولي هيئة الدواء المصرية قد برروا تلك التعديلات بحصولهم على موافقات من الجهات الأجنبية المصنعة، دون الكشف عن الوثائق التي تثبت تلك الموافقات.
|التلقيح بلقاحات منتهية|
كما كشف تحقيق استقصائي نشر في النصف الثاني من يونيو 2022 أن مسؤولي وزارة الصحة وافقوا على تلقيح المواطنين في الجرعة التنشيطية بمحافظة القاهرة ضمن حملة “طرق الأبواب“بلقاحات منتهية الصلاحية قبل أكثر من شهرين من ميعاد الجرعة، دون حتى تعديل الصلاحية.
وبحسب ما ورد في التحقيق الذي شارك فيه طبيبان ضمن الحملة، فقد أوصى المسؤولون الأطباء بعدم الكشف عن تاريخ الصلاحية الحقيقي للمواطنين منعاً للبلبلة، معللين بأن تلك اللقاحات، حتى لو انتهت صلاحيتها، فإنها لن تضرّ المواطنين، لأنها مصنوعة على طريقة: إذا لم تُفد، فإنها لن تضر. لذا، فضل المسؤولون استخدامها في الجرعة التنشيطية بدلاً من إعدامها وخسارتها.
ولكنَّ خبراء في المجال الصحي، شاركوا في التعليق على التحقيق بعد نشره، قالوا إنّ هذه اللقاحات المنتهية، بفرض أنها لن تضر المواطنين، وهو فرض لا يمكن قطعه على ضوء حصولها على “الاعتماد الطارئ” 2021، وهو ما يعني أنها لم تخضع لدراسات وافية، فإنها ستضرُّ المواطنين من جهة أخرى بالتأكيد، وهي تعريضهم للعدوى، في ظل حصولهم على جرعة تنشيطية هي والعدم سواء!
|ليست المرة الأولى|
الصحفي الاستقصائي عصام حسين والذي ساهم في كشف عدة قضايا فساد كبرى في الجهاز الحكومي، كان قد سلط الضوء أيضاً، ضمن عدة حلقات عن “الفساد في وزارة الصحة”، على مراسلات حكومية تفضح قيام جهات سيادية بتوريد مستلزمات طبية (ماسكات وأدوات حماية) للمخازن الإقليمية في المحافظات منتهية الصلاحية، بعضها من أعوام 2007 – 2014.
وقد أكدت اللجنة المشكلة بقرار 168 لسنة 2020 بواسطة محافظ مطروح ورئاسة الدكتورة دينا عثمان الدسوقي وصول تلك المستلزمات الطبية غير الآمنة إلى مستشفيات في مطروح، مثل الضبعة والعلمين، وهو ما عرض الكوادر الطبية إلى العدوى.
ما يثير علامات الاستفهام، أن المسؤولين المباشرين عن تلك الواقعة، وبعضهم لواءات، مثل اللواء وائل الساعي مساعد وزير الصحة للشؤون المالية والإدارية، لم يحالوا إلى التحقيق، الذي ذهب بدوره إلى النيابة الإدارية، بدلاً من النيابة العامة، رغم وجود شبهة جنائية في القضية.
– شاركنا برأيك: كيف يمكن الحد من الفساد في الجهاز الحكومي المصري؟