بعد النقد والعقار: لماذا تتربص الحكومة بالذهب؟
يبدو أن لدى الحكومة اتجاهاً محسوماً تسير فيه بخطى ثابتة لتقييد أنشطة المجتمع وصغار المستثمرين في التعامل مع الأصول الأساسية مثل النقد والعقار والذهب، من خلال إجراءات متنوعة تهدف في الظاهر إلى “التنظيم“ ولكنها تساهم – عند قراءتها قراءة متأنية – في تكريس تلك الأصول لدى فئة واحدة فقط، هي: الحكومة ومن يعمل معها.
|تحجيم القطاع العقاري|
بداية من عام 2020، أطلقت الحكومة سلسلة من القرارات والإجراءات بهدف كبح بناء المساكنالأهلية، وإعادة حصر الثروة العقارية في البلاد، وقصر الاستثمار العقاري على مناطق محددة، تختص الحكومة والمستثمرون المقربون منها وحدهم، بالاستفادة من خيراتها، من أراض ومرافق وتجارة عقارية.
أبرز هذه القرارات، قرار صدر في مايو 2020 بتعليق البناء بمصر لمدة 6 أشهر، يتم تجديدها دوريا، لحين صدور الاشتراطات الجديدة ضمن قانون البناء الموحد، مع نوايا كشف عنها السيسي لاحتمال إصدار قرار نهائي بوقف البناء لمدة 10 أعوام كاملة، بحجة كبح الفوضى العقارية.
خلال تلك الفترة التي تعطل فيها سوق البناء إلى حد كبير، اتخذت الحكومة مزيداً من الإجراءات لضمان التأكد من تقييد البناء، مثل استحداث منظومة رقمية لحصر الثروة العقارية بالتعاون مع وزارة الاتصالات، والتعاون مع المساحة العسكرية للتوسع في الرصد الفوري لأعمال البناء، وإجبار المواطنين على التصالح على المخالفات بأثر رجعي ودفع 25% من مقدم التصالح، وصولا إلى فرض قيود على أعمال صغار العقارين في أغسطس 2021، بحيث لا يمكن لأي مطور عرض الوحدة للبيع قبل الانتهاء من 30% من أعمال المشروع.
في مقابل تلك القيود التي طالت كل مكونات صناعة البناء، قالت الحكومة إنها تخطط لطرح 100 ألف شقة “إيجار” مفروشة بالكامل قريبا للمقبلين على الزواج، وتدشين 500 ألف وحدة سكنية جديدة في عواصم المحافظات ضمن مشروع “سكن لكل المصريين“، في إطار ما أسماه السيسي خطة الحكومة لتوفير الشقق لدرجة أن “يتكعبل“ فيها المواطنون بنص كلامه، وهو ما يعني أيضاً أن يكون معظم المعروض في السوق تابعاً لجهة واحدة تقريبا أو جهات متنوعة متفرعة عن جهة واحدة، ليست بالتأكيد المواطن العادي أو المطور العقاري الصغير.
|تحجيم النقد|
في نفس السياق، وباستخدام نفس الأدوات الرقمية والقرارات التقييدية، فرضت الحكومة إجراءات مماثلة لضمان سحب الأموال الكاش من أيدي المواطنين، وحصر عمليات البيع والشراء وتوجيه أي فوائض مالية لدى الأفراد والكيانات إلى الجهاز المصرفي، ضمن مساعي كبح التضخم عبر تقليل المعروض من العملة وتطبيق الشمول المالي.
بعد شهادات الـ 12% التي طرحتها الحكومة لتمويل حفر قناة السويس الجديدة عام 2014 لمدة 5 أعوام، عادت الحكومة بنفس الطريقة إلى طرح شهادات مشابهة، ولكن بقيمة 18% تزامنا مع التعويم الثاني، في مارس 2022 والتي جمعت بحلول نهاية مايو الماضي، أكثر من 750 مليار جنيه، من مدخرات المواطنين الموجودة داخل وخارج المنظومة المصرفية.
كما تسعى الحكومة، بشتى السبل الممكنة، إلى دمج كل الفئات في منظومة الشمول المالي التي تهدف إلى محاربة الاقتصاد غير الرسمي، من خلال السماح بفتح الشباب من عمر 16 عاماً حسابات بنكية دون التقيد بموافقة ولي الأمر، إلى جانب استهداف أنماط الاقتصاد التقليدي الخاص بالمرأة الريفية عبر برنامج “تحويشة“ الذي يهدف إلى جذب 500 ألف سيدة إلى الجهاز المصرفي بدلاً من الجمعيات التكافلية التي تقوم بتدوير المال الأهلي على عدد أفراد معين خلال زمن محدد.
|ماذا عن الذهب؟|
مطلع 2022، قالت الحكومة إنها تستهدف تغيير نظام الدمغة التقليدي المعمول به حاليا في المشغولات الذهبية والمعروف باسم الدمغة بالقلم من مصلحة الدمغة والموازين في وزارة التموين، لصالح نظام الدمغة الرقمية QR الجديدة، التي ستتكلف رسوماً جديدة بداية من تطبيقها عام 2023، بنفس منطق تسجيل العقارات في الشهر العقاري، بدعاوى حماية الأصل وتسهيل بيعه لاحقاً.
الجديد في يوليو الحالي، أن مصلحة الضرائب أصدرت كتابا دورياً ينص على تطبيق ضريبة القيمة المضافة بقيمة 10% عند دمغ كل قطعة ذهب في مرحلة التصنيع، بحيث تضاف الضريبة الجديدة على بند المصنعية عند الشراء، لكي تزيد المصنعية على كل جرام عيار 21 بقيمة 9.24 جنيها، وما يصل إلى 6.16 جنيها على كل جرام ذهب من عياري 18/ 24.
يقول الخبراء إن هذه الزيادة الأخيرة تهدف من ضمن ما تهدف له إلى قطع الطريق على توجه المواطنين إلى شراء الذهب في ظل هبوط سعره عالميا، خاصة أن المواطنين اشتروا خلال أول 9 شهور من عام 2021 نحو 32 طنا من الذهب بقيمة لا تقل عن 19 مليار جنيه، وذلك رغم حديثالسيسي عن ضرورة وضع المواطنين أموالهم في البنوك حصرا.
-في رأيك: هل تخدم تلك القرارات المتنوعة المواطن المصري فعلا؟