يمر العام السادس على انطلاق قانون التصالح في مخالفات البناء منذ عام 2019، ولم يتم استكمال سوى 16% فقط من الحالات، بينما تواصل الحكومة تعديلاتها مع مجلس النواب المقبل لمحاولة تلافي أزمات متكررة في التطبيق، وتأخير إنهاء مصالح المواطنين في مراكز التكنولوجيا التابعة لوزارة التنمية المحلية.
وتكمن المعاناة الأكبر في إجبار المواطنين على دفع رسوم جديدة تتراوح بين 1000 و2000 جنيه، وأحيانًا أكثر تحت بند “معاينة الهيئة”، بالإضافة إلى الرسوم الأساسية التي تتراوح بين 50 جنيهاً لكل متر مسطح كحد أدنى و2500 جنيه كحد أقصى، والتي تضاعفت في بعض الحالات.
وبحسب شكاوى مواطنين، فإن الحظ وحده قد ينقذ صاحب الطلب من ضياع أوراق ملفه وسط آلاف الملفات الورقية الملقاة على الأرض والأرفف الخشبية، أو من الاصطدام بموظف يطلب “إكرامية” أو “ترضية” لتسريع الإجراءات.
كما يشكو المواطنون من سقوط منظومة التصالح الإلكترونية بشكل متكرر، حتى أصبحت عبارة “السيستم وقع” الأشهر في مكاتب التصالح، مع تعطيل مصالح المواطنين لأيام وأحياناً لأسابيع.
هذه المعاناة لم تُحسم بعد من قبل نواب الدورة الحالية، وستنتقل إلى المجلس المقبل، حيث ستطرح الحكومة تعديلات جديدة تسمح باستكمال البناء، دون أن توضّح ما إذا كانت ستفرض أعباء مالية جديدة على المواطنين.
تصريحات النواب ومطالب المواطنين
اعترف النائب الدكتور محمد سليم، في بيان بتاريخ 23 نوفمبر 2025، بأن ملف التصالح يعاني من “أزمات التأخير، وطول مدة النظر في الملفات، وعدم وجود جدول زمني لإنهائها، إضافة إلى الأسعار غير العادلة”، وذلك تعليقاً على إعلان رئيس الحكومة مصطفى مدبولي بشأن التعديلات الجديدة.
وأكد سليم أهمية الملف وارتباطه بملايين المواطنين الذين ينتظرون حلولاً جذرية، داعياً الحكومة إلى التحرك السريع لإغلاق هذا الملف.
وقدّم النائب ستة مطالب رئيسية؛ تمثّل الأولى في تبسيط إجراءات التصالح وتقليل المستندات المطلوبة، بما يضمن سرعة البت في الطلبات وعدم تعطيل المواطنين.
أما المطلب الثاني فكان وضع سقف زمني ملزم للجهات المختصة للرد على الطلبات، بحيث لا تبقى الملفات معلقة لسنوات دون حسم.
كما شدد في مطلبه الثالث على ضرورة تحديد أسعار عادلة للتصالح تراعي البعد الاجتماعي وقدرة المواطنين المالية، بينما تناول المطلب الرابع السماح بطرق دفع مرنة تشمل التقسيط الميسر بدون فوائد أو بفوائد رمزية.
وجاء المطلب الخامس ليؤكد على توحيد المعايير بين المحافظات منعاً للتفاوت الكبير في القرارات والتقديرات. أما المطلب السادس فتمثل في إطلاق منصة إلكترونية موحدة تتيح تقديم الطلبات ومتابعتها إلكترونيًا دون الحاجة للذهاب إلى المكاتب الحكومية.
ورغم مرور ست سنوات، لا تزال هذه المطالب بعيدة عن التنفيذ، وهو ما اعترف به رئيس الوزراء مصطفى مدبولي خلال مؤتمر صحفي في 20 نوفمبر 2025، مشيراً إلى أن الحكومة أنهت إعداد حزمة تعديلات مقترحة تتعلق بملايين الحالات، لكنها قد تؤدي إلى مشكلات جديدة ومتنوعة.
التعديلات القانونية الجديدة
تشمل التعديلات الجديدة نموذج 8 ونموذج 10 بالتعاون مع وزارتي التنمية المحلية والإسكان. ويشير القانون الجديد رقم 187 لسنة 2023 إلى أن نموذج 8 لا يسمح للمواطنين باستكمال أعمال البناء مثل التعلية أو صب الأسقف الخرسانية.
وبموجب التعديلات، يمكن للمواطنين الذين حصلوا على نموذج 10 وفق قانون التصالح رقم 17 لسنة 2019، وكذلك نموذج 8 وفق القانون الجديد، استكمال أعمال البناء على ذات الدور والمساحة داخل الحيز العمراني، سواء في التعلية أو صب الأسقف الخرسانية.
من يعاقب الحكومة؟
عندما يخطئ المواطن يُعاقب فوراً، بينما تستمر الحكومة ست سنوات في معالجة أخطائها ضد المواطنين، مع تحميلهم رسوماً إدارية بلا نهاية.
وفي 8 أبريل 2019 أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي القانون رقم 17 لسنة 2019، الذي نص على تقديم طلبات التصالح خلال ستة أشهر مع سداد رسم فحص لا يتجاوز 5000 جنيه.
وبعدها نشرت الجريدة الرسمية في 31 ديسمبر 2020 قرار مد مدة قبول الطلبات حتى نهاية مارس 2021، مع التحذير من الإجراءات العقابية بعد انتهاء المهلة، أبرزها قطع المرافق عن المباني المخالفة.
لكن الحكومة واصلت المد والتعديل، حتى نشرت الجريدة الرسمية في 20 أكتوبر 2025 قراراً جديداً بمد التصالح لمدة ستة أشهر إضافية تبدأ من 5 نوفمبر 2025.
ومع ذلك، بقيت مراكز التكنولوجيا عاجزة عن التعامل مع الكم الكبير من الملفات، وسط انتشار الرشاوى، وتأخر البت في الطلبات، وسقوط السيستم المتكرر.
حجم الفشل المالي والإداري
هذا الحجم من الفشل الحكومي، أكده النائب إيهاب منصور، خلال لقائه مع الإعلامي عمرو حافظ بتاريخ 22 نوفمبر 2025، وكشف أن استمرار التعقيدات الحالية قد يؤدي إلى ضياع نحو 200 مليار جنيه كان يمكن أن تدخل خزينة الدولة، وتحولها إلى جيوب بعض الفاسدين.
وأشار إلى أمثلة صارخة للتخبط، من بينها فرض رسوم لا سند لها، حيث يدفع المواطن في بعض الحالات 70 ألف جنيه بدلاً من 7 آلاف تحت بند “رسوم ارتفاعات”، وهو رقم غير موجود في نصوص القانون.
كما لفت إلى أن مشاكل الجراجات والكتل القريبة من الحيز العمراني ما زالت بلا حل، وحتى الحاصلون على نموذج 10 يجدون أنفسهم غير قادرين على استكمال بناء منازلهم رغم دفع كامل الرسوم.
وشدد على أن الحل الوحيد للخروج من هذا النفق هو إصدار قانون رابع للتصالح، مع ضرورة الاستماع لصوت الواقع وتبني المقترحات البرلمانية التي تعالج المشكلات الحقيقية للمواطنين، بدل الاعتماد على دراسات نظرية أثبتت التجربة فشلها.
ولا يعرف المواطنون ماذا سيحمل العام السابع لقانون التصالح: هل ستُفرض أموال جديدة؟ هل ستنجح الحكومة في إقناع من لم يتقدم بالتصالح حتى الآن؟ أم أن الملفات المكدسة، والرشاوى، والتأخير، وسقوط السيستم، ستستمر في تعطيل أي تقدم؟