وثيقة تكشف تفاوتا صارخا في الحوافز.. حراس الوزراء يتقاضون أكثر من أساتذة الجامعات والمعلمين

في الوقت الذي احتاج فيه صرف حافز تدريس بقيمة ألف جنيه شهرياً للمعلمين إلى تدخل مباشر من الرئيس عبدالفتاح السيسي لإقراره، يحصل أطقم الحراسة المكلفون بحماية الوزراء على حوافز ومكافآت تتجاوز عشرات الآلاف من الجنيهات، بمذكرة داخلية فقط يوقعها الوزير المختص.

وحصلت “أحوال مصرية” على وثيقة رسمية تفيد بموافقة وزير الزراعة علاء فاروق في أغسطس 2024، على صرف حافز شهري يتراوح بين 4 و22 ألف جنيه لطاقم الحراسة الخاصة بمكتبه، الأمر الذي يعيد إلى الواجهة قضية العدالة في توزيع الأجور داخل الجهاز الإداري للدولة.

وثيقة الحوافز

الوثيقة، وهي مذكرة تقدم بها المهندس مجدي عبدالله، رئيس قطاع الهيئة لشؤون مكتب الوزير، تطلب صرف حافز شهري لقائد الحراسة الخاصة وأفرادها.

وأوضح “عبدالله” في مذكرته أنه أجرى مراجعة لما يُصرف لأطقم الحراسة في وزارات البترول، والتخطيط، والإسكان، والثقافة، والتموين، مطالباً بتطبيق متوسط المبالغ المعمول بها في تلك الوزارات “أسوة بزملائهم”.

وطبقاً للمذكرة، يحصل قائد الحراسة الخاصة على 22 ألف جنيه شهرياً، وكل فرد من أفراد الحراسة الأربعة على 11 ألف جنيه، وكل فرد من حرس المقر وعددهم أربعة على 6 آلاف جنيه، بينما يحصل كل فرد من حرس المكتب وعددهم اثنان على 4 آلاف جنيه.

مكافآت متعددة

وبحسب مصدر مطلع في وزارة الزراعة تحدث لـ “أحوال مصرية” فإن هذا الحافز ليس إلا بنداً واحداً من إجمالي المكافآت والحوافز التي يحصل عليها طاقم الحراسة من الهيئات والجهات التابعة للوزارة، مشيراً إلى أن إجمالي ما يتقاضاه الفرد الواحد من هذه الأطقم قد يصل إلى 150 ألف جنيه شهرياً.

وأوضح المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن هذه المبالغ تصرف من الحسابات الخاصة بالوزارة بعيداً عن نظام الرواتب الرسمي (الباي رول) التابع لوزارة المالية، وذلك للتحايل على الحد الأقصى للأجور المقرر بـ42 ألف جنيه شهرياً.

حافز المعلمين

في المقابل، لم يصرف حافز التدريس للمعلمين إلا بعد تدخل مباشر من الرئيس عبدالفتاح السيسي في 7 أكتوبر 2025، حيث وجه خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي ووزير التعليم، بصرف حافز تدريس قيمته ألف جنيه شهرياً اعتباراً من نوفمبر 2025.

وقال السفير محمد الشناوي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، إن الرئيس شدد على ضرورة تحسين الوضع الاقتصادي للمعلمين وجعل هذا الملف ضمن أولويات الدولة في المرحلة القادمة.

ويبلغ عدد المعلمين في مصر 1.034 مليون معلم بالتعليم قبل الجامعي (عام – فني – أزهري)، يشرفون على تدريس 28.9 مليون تلميذ خلال العام الدراسي 2024 / 2025، وفقاً لبيان صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 5 أكتوبر 2025.

رواتب الجامعات

وفي مارس 2024، أصدر الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، القرار رقم 630 لسنة 2024 بزيادة حافز الجودة ومكافأة التدريس لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات، ليصبح 1700 جنيه للأستاذ الجامعي و750 جنيهاً للمعيد، بحيث يبلغ راتب الأستاذ الجامعي (الدرجة الممتازة) نحو 13,800 جنيه شاملة الأساسي والحوافز، بينما يتقاضى المعيد (الدرجة الثالثة) نحو 8,000 جنيه شهرياً.

ونص قرار الحكومة على زيادة الحد الأدنى للأجور إلى 7 آلاف جنيه اعتباراً من يوليو 2024، ليصبح راتب الدرجة الممتازة 13,800 جنيه، والدرجة السادسة (الخدمات المعاونة) 7,100 جنيه.

خفض الحوافز

في محافظة بورسعيد، وفي 29 أكتوبر 2025، لجأ 1500 عامل من عمال شركة القناة لرباط وأنوار السفن التابعة لهيئة قناة السويس إلى الاحتجاج على تعديلات أقرتها إدارة الشركة على اللائحة الداخلية، وتنص التعديلات الجديدة على خفض أرباح العاملين بنسبة 25%، وتحويل جزء منها لمصلحة صندوق الكوارث والأزمات، ووقف صرفها شهرياً لتُصرف سنويًا في نهاية كل عام ابتداءً من 2027، بالإضافة إلى خفض الحافز الشهري من 15% إلى 10% اعتباراً من الشهر المقبل.

فجوة الأجور والحوافز

ووفقًا لورقة بحثية بعنوان “موازنة 2025 / 2026.. مصر في قبضة الديون” أصدرتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في مايو 2025، فإن هناك تمييزاً واضحاً في زيادات الأجور الحكومية؛ إذ ارتفعت الأجور في قطاع الخدمات العامة (الذي يضم الأجهزة التنفيذية والتشريعية) بنسبة 66%، مقابل 17% للعاملين في الصحة، و4% فقط للعاملين في التعليم.

وأشار تحليل صادر عن معهد التخطيط القومي إلى أن آليات الحوافز والبدلات غير الواضحة تضعف العدالة الوظيفية داخل الجهاز الإداري، وهو ما ينعكس في التفاوت الكبير بين القطاعات المختلفة.

مطالب بالشفافية في الصرف

من جانبه، أكد الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع والإحصاء، أن الخلل في رواتب الموظفين ناتج عن عدم وضوح الرؤية بين ما هو مسموح للوظيفة وما هو غير مسموح، مشدداً على ضرورة ربط العمل بالإنتاج والاعتماد على الأبحاث والدراسات الدولية حول قضية الأجور.

وأشار إلى أن هناك العديد من الأبحاث التي قدمت حلولاً متعددة، وأن تجارب دولية عديدة نجحت في خلق توازن بين العدالة في الأجور والتحفيز في العمل، موضحاً أن قانون الخدمة المدنية تناول الأجر ونظمه، ولكن لن يتحقق تقدم فعلي إلا إذا تمت إدارته بشفافية تُقنع الجميع بعدالة المنظومة.

مطالب برلمانية

تسبّب هذا التفاوت في تجدد مطالبات لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب بتفعيل التوصيات البرلمانية السابقة المتعلقة بحصر المبالغ الزائدة عن الحد الأقصى للأجور في الجهاز الإداري للدولة.

جاء ذلك خلال مناقشة الحساب الختامي للعام المالي 2023 / 2024 في الجلسة العامة الأخيرة للمجلس، حيث أوصت اللجنة بتشكيل فريق عمل مشترك من الجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية ووزارة المالية لحصر المبالغ التي تجاوزت الحد الأقصى، وإعداد تقرير رسمي بها.

وخلال المناقشة، تساءل رئيس مجلس النواب المستشار حنفي جبالي عن أسباب تأخر تفعيل اللجنة المختصة بمراجعة الدخول الزائدة عن الحد الأقصى، مشيرًا إلى وجود “خلاف في الرؤى بين بعض الجهات حول آلية التطبيق”.

ومن جانبه، أوضح الدكتور فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أن موازنة 2024 / 2025 رصدت 575 مليار جنيه أجوراً للعاملين في الجهاز الإداري للدولة البالغ عددهم 4.5 مليون موظف، وفي موازنة 2025 / 2026 بلغت قيمة الأجور والتعويضات 679 مليار جنيه.

أضف تعليقك
شارك