للمرة العشرين خلال ست سنوات، رفعت الحكومة المصرية أسعار البنزين، هذه المرة في عام 2025، في خطوة تأتي تحت ضغط صندوق النقد الدولي لتقليص دعم الوقود.
الزيادة الجديدة لم تكن مجرد أرقام على محطات البنزين، بل امتد تأثيرها ليشمل أسعار رغيف الخبز والمواصلات والسلع الغذائية، ما يزيد من معاناة الأسر المصرية ويضغط على جيوبها.
تزداد الضغوط على الأسر التي تتحمل تكاليف المدارس والدروس والنفقات اليومية.
غضب يتزايد
أعلنت وزارة البترول، الجمعة، في بيان رسمي رفع أسعار البنزين والوقود اعتبارًا من اليوم، بنسب تراوحت بين 10.5% و12.7%، بعد رفع الأسعار بنحو 15% في أبريل الماضي، لتكون هذه الزيادة العشرين منذ يوليو 2019.
وانفجر غضب المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي تعليقًا على القرار. كتب علاء حميد: “علشان الحكومة فاشلة تاخد من جيوب المصريين الغلابة”، وقال وائل عطية: “حرام كفاية ضغط على الشعب مش عارفين نصرف على بيوتنا”.
ودعا السعيد أحمد على قائلاً: “يارب تاخد الحكومة كلها علشان خلاص الجبروت والافتراء مش قادرين عليه، حسبنا الله ونعم الوكيل”.
وشكا وجدي مراد من القرار قائلًا: “حكومة فاشلة ربنا ما يسامح كل واحد بيصعب الدنيا علينا”.
بينما تساءل هاني علي: “إزاي الاقتصاد بيتحسن والتضخم بيقل والدولار بينزل قدام الجنيه؟ أدي موجة زيادة أسعار جديدة في كل السلع. أنا مقتنع إن حتى لو الدولار نزل لـ5 جنيه الأسعار هتفضل جنونية”.
كما أكد وسام سعد فشل الحكومة قائلًا: “البنزين في دول كتير بيرخص ومصر بس اللي بيغلى، حسبي الله ونعم الوكيل”.
واعتذر بعض مؤيدي الحكومة سابقًا عن دعمهم لسياسات رفع الدعم، فقال إسلام ممدوح: “بعتذر عن أي بوست قديم كنت بشجع فيه على رفع الدعم، كنت فاكر إن ده هيحسن المعيشة، لكن واضح إن الفلوس بتروح لمشاريع مش ضرورية”.
وعلق عبدالله نبيل: “الفلوس دي بتروح في إنشاء قصور وأبراج ضخمة ومصاريف برلمان وشيوخ ديكور، القرارات كلها في إيد جهة واحدة”.
وقالت صفحة “مصر هتفضل غالية عليا”: “المشكلة مش في البنزين بس، ده كمان السولار والكهربا والغاز والأدوية زادت، يعني كل حاجة هتولع. الأسرة محتاجة 50 ألف جنيه في الشهر ومرتبها ما بيكملش 6 آلاف”.
الزيادة الـ20 في 6 سنوات
شملت الزيادة الجديدة كل أنواع البنزين والسولار بنسب بين 10.5% و12.7%، بزيادة جنيهين للتر.
ووفق الأسعار الجديدة، ارتفع سعر بنزين 95 من 17 إلى 19 جنيهًا، وبنزين 92 من 15.25 إلى 17.25 جنيهًا، وبنزين 80 من 13.75 إلى 15.75 جنيهًا، والسولار من 13.5 إلى 15.5 جنيهًا للتر.
بينما ارتفع سعر طن المازوت من 9500 إلى 10500 جنيه. كما زاد سعر أسطوانة البوتاجاز المنزلي من 150 إلى 200 جنيه، والتجاري من 300 إلى 400 جنيه، وارتفع غاز السيارات إلى 10 جنيهات بدلًا من 7 جنيهات.
ومنذ يوليو 2019 حتى أكتوبر 2025، ارتفعت أسعار البنزين 20 مرة، فقفز لتر بنزين 95 من 9 جنيهات إلى 21 جنيهًا، والسولار من 6.75 إلى 17.5 جنيه.
حكومة تعاند المصريين
رغم موجة الغضب، أعلنت الحكومة أن وزيرة التنمية المحلية منال عوض تابعت مع المحافظين تحديد تعريفة الركوب الجديدة لجميع المواصلات العامة الداخلية والخارجية لضمان الالتزام بها، دون الإشارة إلى أي دعم اجتماعي.
وطالبت الوزيرة المواطنين بالتواصل مع أرقام الطوارئ والخطوط الساخنة أو مبادرة “صوتك مسموع” لتقديم الشكاوى.
وكان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قد أعلن في سبتمبر الماضي أن الزيادة في أسعار الوقود ربما تكون الأخيرة، مع استمرار دعم جزئي للسولار لتخفيف العبء عن القطاعات الإنتاجية، على أن يتم لاحقًا تطبيق آلية التسعير التلقائي تبعًا لأسعار السوق وسعر خام برنت والدولار.
نار صندوق النقد تصيب المصريين
تسعى الحكومة إلى خفض دعم الوقود تنفيذًا لاشتراطات صندوق النقد الدولي، الذي يمنح مصر قرضًا بقيمة 8 مليارات دولار.
وأكد الصندوق في مارس الماضي أن مصر ملتزمة بخفض دعم الطاقة وجعل الأسعار المحلية متماشية مع التكلفة الفعلية بحلول ديسمبر المقبل.
وشهدت موازنة 2025-2026 انخفاضًا حادًا في دعم الوقود ليصل إلى 75 مليار جنيه (1.56 مليار دولار)، مقارنة بـ154.5 مليار جنيه (3.2 مليار دولار) في العام السابق، ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع الصندوق الذي يهدف إلى تقليص العجز وتوفير موارد للإنفاق الاجتماعي.
الزيادة “تدهس” جيوب المصريين
أدت زيادة أسعار البنزين إلى موجة جديدة من ارتفاع الأسعار، خصوصًا في النقل والمواصلات والخبز والسلع الغذائية.
فقد تضاعف متوسط إنفاق الأسر المصرية على المواصلات من 8.8 آلاف جنيه في 2019 إلى 24.6 ألفًا في 2024، مع توقع أن يصل إلى 29.2 ألفًا في 2025.
وأوضح خالد صبري، المتحدث باسم شعبة المخابز باتحاد الغرف التجارية، أن أسعار الخبز السياحي ارتفعت بنسبة 10% بعد الزيادة، وقد تلجأ المخابز إلى تقليل وزن الرغيف لتجنب الخسائر.
وكانت الحكومة قد رفعت في مايو 2024 سعر رغيف الخبز المدعم بنسبة 300%، في أول زيادة منذ أكثر من ثلاثة عقود.
ويتوقع مراقبون زيادات جديدة في أسعار تذاكر القطارات والمترو نتيجة ارتفاع سعر السولار، خاصة أنه الوقود الرئيسي لتشغيل القطارات.
كما أعلنت هيئة النقل العام بالقاهرة زيادة تعريفة ركوب الأتوبيسات وشركات النقل الجماعي من 2 إلى 3 جنيهات، لتصل إلى 12 و18 و22 جنيهًا حسب الخطوط.
ومن المنتظر أن يرتفع التضخم في مصر خلال أشهر أكتوبر ونوفمبر وديسمبر، بعدما بلغ 13.6% في مارس الماضي مقارنة بـ12.8% في فبراير.
وقال عمرو الألفي، رئيس استراتيجيات الأسهم بشركة “ثاندر”، إن التضخم قد يزيد بين 0.5% و1% بعد رفع أسعار الوقود، متوقعًا استمرار الزيادة في الشهرين المقبلين مع موسم العودة للدراسة.
كما أوضح هشام حمدي، نائب رئيس قسم البحوث في “النعيم المالية”، أن الزيادة ستنعكس على أسعار وسائل النقل والخضروات والفاكهة، ثم على المنتجات الصناعية والغذائية ومواد البناء.
واعتبر أن زيادة البنزين ستؤدي إلى مطالب برفع الأجور لتغطية تكاليف المواصلات، ما يمثل ضغطًا جديدًا على الشركات ويدفعها لرفع الأسعار مجددًا.
ورغم الزيادة التي أنهكت المواطنين، قد يجد المصريون أنفسهم أمام موجات أخرى من ارتفاع الأسعار، في ظل استمرار الحكومة في رفع الوقود دون تخفيف المعاناة، بعد عشرين زيادة في ست سنوات أكلت الأجور وزادت جحيم الحياة