في 18 من سبتمبر 2025 نشرت الجريدة الرسمية المصرية القرار الرئاسي رقم 211 لسنة 2025 الذي يتضمن الموافقة على بروتوكول جديد ملحق باتفاقية تجنب الازدواج الضريبي بين مصر والإمارات بشأن الضرائب على الدخل.
ويأتي هذا البروتوكول الثاني استكمالًا للاتفاقية الأصلية التي بدأ تنفيذها مطلع عام 2022، ليصبح جزءًا لا يتجزأ من الاتفاق القائم بين الدولتين.
ورغم أن الإعلان الرسمي عن البروتوكول يوحي بأنه يمثل خطوة لتعزيز الاستثمارات المشتركة وتسهيل تدفق رؤوس الأموال، إلا أن الجدل الذي أثير حوله كان واسعًا، نظرًا للفجوة الكبيرة بين حجم الاستثمارات المتبادلة وما يترتب على ذلك من اختلاف جوهري في حجم الاستفادة بين الطرفين.
القرار الرئاسي
جاء توقيع الرئيس عبد الفتاح السيسي على هذا البروتوكول مكملًا للاتفاق السابق الذي أبرم في أبريل من العام نفسه، وهو اتفاق يسعى من الناحية النظرية إلى منع التهرب الضريبي وضمان ألا يخضع المستثمرون لنظامين ضريبيين في الوقت ذاته.
إلا أن البروتوكول الجديد تجاوز مجرد التوضيح الفني، وأدخل تعديلات مؤثرة ستنعكس بشكل مباشر على حجم الإعفاءات الضريبية الممنوحة للجهات المستثمرة.
نص البروتوكول (2)
أكد البروتوكول أن نصوصه مكملة للاتفاقية الأصلية، الأمر الذي يجعلها ملزمة وذات قوة تنفيذية منذ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ في يناير 2022.
اللافت أن هذا البروتوكول لم يقتصر على مسائل إجرائية أو توضيحية كما هو الحال عادة، بل توسع ليشمل بنودًا جوهرية تعيد تعريف بعض المفاهيم الرئيسية، وفي مقدمتها مصطلح “الحكومة”، وهو ما يترتب عليه امتيازات ضريبية جديدة لمؤسسات محددة.
أبرز التعديلات
أهم تعديل ورد في البروتوكول هو توسيع مفهوم “الحكومة” ليشمل كيانات استثمارية محددة من البلدين.
ففي الجانب المصري أُدرج “صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية” والكيانات التي يمتلكها بصورة مباشرة أو غير مباشرة بنسبة لا تقل عن 50 % ضمن الكيانات الحكومية.
وفي الجانب الإماراتي تم إدراج شركة “أبوظبي التنموية القابضة” والكيانات التابعة لها بالشرط نفسه ضمن التعريف الحكومي.
وبهذا التعديل أصبح من حق المؤسستين الاستفادة من الإعفاءات الضريبية المقررة في الاتفاقية، وهو ما يمنحهما امتيازات واسعة على استثماراتهما داخل كل من مصر والإمارات.
وقد أشارت لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب المصري إلى أن هذه الخطوة تشجع الاستثمار وتزيد من فرص العمل وتعزز الشراكة الاقتصادية، إلا أن اللجنة لم تتطرق إلى مسألة التوازن بين حجم الاستثمارات في كلا البلدين، وهو ما يثير الجدل الأوسع.
من المستفيد؟
أكد خبراء اقتصاديون أن اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي تحقق من الناحية النظرية منفعة متبادلة، إذ تمنع فرض الضرائب المكررة على المستثمر نفسه في أكثر من دولة، وتشجع على ضخ الأموال في الاقتصاد. وأشاروا إلى أن الاستفادة الحقيقية من هذه الاتفاقيات تتوقف على حجم الاستثمارات المتبادلة بين الدولتين.
وأوضح الخبراء أنه إذا كانت استثمارات كل طرف في البلد الآخر متقاربة، فإن الإعفاءات الضريبية تعود بالنفع على الجانبين بشكل متوازن، أما في حال وجود تفاوت كبير، فإن الطرف الذي يمتلك استثمارات أكبر هو من يجني النصيب الأكبر من الفوائد.
وبالنظر إلى حالة مصر والإمارات، فإن الاستثمارات المصرية في الإمارات لا تتجاوز 1.3 مليار دولار، بينما تصل الاستثمارات الإماراتية في مصر إلى أكثر من 38 مليار دولار.
ومن ثم يتضح أن المستفيد الأكبر من هذا البروتوكول هو الإمارات، إذ ستُعفى شركاتها وصناديقها الاستثمارية من ضرائب كانت تدر إيرادات مهمة للخزانة المصرية.
لماذا يختلف هذا الاتفاق؟
وفق خبراء في السياسات الضريبية فإن اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي هي اتفاقيات معروفة ومعتادة بين الدول وتربط مصر اتفاقات مشابهة بالعديد من الدول.
إلا أن بعضا من بنود البرتوكول المصري الإماراتي حصرت الإعفاءات الضريبية لجهة محددة بالاسم الأمر الذي يؤثر بالسلب على صورة الدولة أمام المستثمرين الأجانب، بشأن عدم تطبيق قواعد موحدة على جميع المستثمرين وهو ما يغيب بيئة المنافسة، وفق خبراء في السياسات الضريبية.
امتيازات “أبوظبي القابضة” في مصر
برزت شركة أبوظبي التنموية القابضة خلال السنوات الأخيرة كلاعب رئيسي في الاقتصاد المصري.
ففي عام 2023 استحوذت على حصص في ثلاث شركات حكومية مصرية مقابل 800 مليون دولار، كما حصلت في فبراير 2024 على حق تطوير مدينة رأس الحكمة في صفقة قدرت قيمتها بنحو 24 مليار دولار.
وفي مايو من العام نفسه صدر قرار بإنشاء منطقة حرة خاصة باسم “شركة رأس الحكمة للصناعات الخفيفة والخدمية” على مساحة 17 مليون متر مربع، بما يمنح المشروع إعفاءات ضريبية وجمركية كاملة.
هذه الامتيازات تعني أن المشروع الضخم الذي يعد أحد أكبر المشروعات العقارية في المنطقة لن يخضع للقوانين الضريبية المصرية العادية، وهو ما يمثل ميزة هائلة للشركة المالكة.
إلى جانب ذلك استثمرت أبوظبي القابضة في أكثر من 13 شركة مصرية بقيمة تجاوزت 4.3 مليار دولار، منها 6 شركات مدرجة في البورصة المصرية.
وقد حققت هذه الشركات مجتمعة أرباحًا صافية بلغت نحو 94.2 مليار جنيه في عام 2024، كان نصيب أبوظبي القابضة منها أكثر من 20 مليار جنيه.
كما توسعت الشركة في قطاعات حيوية مثل الصناعات الدوائية عبر امتلاك “آمون فارما”، والأغذية الصحية من خلال الاستحواذ على حصة أغلبية في شركة “أبو عوف”، والزراعة عبر السيطرة على نحو نصف شركة “الظاهرة” التي توفر القمح للحكومة المصرية.
توازن مفقود
يقدم بعض المسؤولين البروتوكول باعتباره اتفاقًا متوازنًا يعزز التعاون الاقتصادي، لكن الواقع يشير إلى خلاف ذلك.
فالإمارات معروفة بأنها دولة ذات نظام ضريبي متساهل، حيث لا تفرض ضرائب كبيرة على الشركات في معظم القطاعات، وبالتالي فإن استفادة صندوق مصر السيادي من الإعفاءات في الإمارات محدودة للغاية بسبب ضعف استثماراته هناك أساسًا.
في المقابل، تملك أبوظبي القابضة استثمارات ضخمة داخل السوق المصري، وهذه الاستثمارات كانت تدر ضرائب مهمة للخزانة العامة، لكنها الآن ستُعفى من جانب كبير منها.
وهكذا تميل كفة الاستفادة بشكل واضح لصالح الإمارات، بينما تواجه مصر خطر تراجع مواردها الضريبية في وقت تعاني فيه من أزمة مالية خانقة.
الأثر على بيئة الاستثمار المحلي
إلى ذلك، تشير تقارير محلية إلى أن منح امتيازات ضريبية خاصة لبعض الشركات الأجنبية، دون غيرها، قد يؤدي إلى شعور المستثمرين المحليين بعدم العدالة، ويحد من رغبتهم في الاستثمار أو التوسع داخل مصر.
هذا التفاوت في المعاملة يخلق بيئة تنافسية غير متكافئة، حيث تجد الشركات المحلية نفسها في منافسة مباشرة مع شركات أجنبية تتمتع بمزايا ضريبية غير متاحة لها.
علاوة على ذلك، قد يؤدي هذا الوضع إلى تقليل ثقة المستثمرين المصريين في النظام الضريبي، ويجعل من الصعب جذب استثمارات جديدة أو توسيع النشاط الاقتصادي المحلي.
ولضمان بيئة استثمارية عادلة ومستدامة، يوضح اقتصاديون أنه يجب أن تراعي السياسات الضريبية التوازن بين تشجيع الاستثمارات الأجنبية وحماية مصالح المستثمرين المحليين.
الشفافية والمساءلة
حتى الآن لم تصدر الأجهزة الرقابية المصرية تقارير علنية توضح بالتفصيل أثر البروتوكول على الموازنة العامة، وهو ما يجعل من الصعب على البرلمان أو الرأي العام تقييم النتائج الحقيقية للاتفاق.
ويشير خبراء الاقتصاد إلى أن غياب الشفافية يفتح الباب للتكهنات ويقلل من قدرة الدولة على الدفاع عن سياساتها الاقتصادية، خاصة في ظل ما يثار حول الخسائر الضريبية الكبيرة المحتملة.
تصحيح الاختلال
يرى خبراء اقتصاديون أن الطريق الأمثل لتصحيح الاختلال الذي يسببه البروتوكول يكمن في إعادة تقييم بنوده لضمان العدالة بين جميع الأطراف.
وأكدوا أن ذلك يتطلب تعديل الاتفاق بحيث تشمل الإعفاءات الضريبية جميع المستثمرين بشكل متوازن، وعدم حصرها في مؤسسات محددة فقط، مع مراعاة حجم الاستثمارات الفعلية لكل طرف.
كما شددوا على أهمية وضع آليات شفافة لمتابعة أثر الاتفاق على الإيرادات الضريبية والموازنة العامة، بما يضمن أن تكون المكاسب الاقتصادية مشتركة بين مصر والإمارات دون الإضرار بمصالح الدولة أو ببيئة الاستثمار المحلي.
وأشار الخبراء إلى أن هذه الخطوات من شأنها حماية الموارد المالية للدولة، وتعزيز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب في نظام الاستثمار المصري، وتحقيق تعاون اقتصادي مستدام يحقق المنفعة المتبادلة للطرفين.