أثارت لاعبة الشطرنج المصرية صاحبة البطولات، شروق وفا، ضجة كبيرة بعد إعلان نيتها تمثيل منتخب إيرلندا بدلاً من مصر، مبررة قرارها بـ”الفساد”.
خطوة اللاعبة أعادت تسليط الضوء على ظاهرة هروب الرياضيين المصريين، التي تزايدت خلال العقد الأخير.
وتحت ضغط الغضب الكبير من تفريط اتحاد اللعبة في بطلة مصرية بحجم شروق وفا، والاتهامات للاتحادات والحكومة بإهمال أبطال مصر، تدخلت وزارة الرياضة متأخرة في محاولة لإثناء نجمة الشطرنج عن هذه الخطوة.
إلا أن الوزارة لم تقدم تفسيرًا أو محاسبة واضحة بشأن عشرات الأبطال الذين هاجروا من جحيم الإهمال الرياضي، وسط عوامل اجتماعية واقتصادية ساعدت على تفاقم الظاهرة، بحسب دراسة جامعية مصرية حديثة.
الفساد أصل الأزمة
عبر صفحتها في “فيسبوك”، أعلنت شروق وفا أنها بدأت خطوات اللعب باسم إيرلندا بعد تحقيقها أكثر من 20 ميدالية لمصر خلال 15 عامًا.
وأوضحت أن الاتحاد المصري للشطرنج يتعمد إهمال اللاعبين الأكفاء بدعوى تراجع مستواهم، ويمارس المحسوبية لصالح آخرين، إلى جانب رفضه إصدار قرارات إدارية ضرورية، وتقاعسه عن تحمل تكاليف البطولات الخارجية.
وأضافت: “كان بإمكاني اللعب باسم إيرلندا منذ خمس سنوات، لكنني كنت أرفض ذلك. الآن الفساد غير مسبوق ولا يشرفني تمثيل المنتخب في ظل الاتحاد الحالي”.
تضامن واسع
حظيت تصريحات وفا بتعاطف واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ كتب مينا رمزي: “خبر محزن.. أفضل لاعبة في تاريخ أفريقيا تعتزم اللعب تحت علم إيرلندا بسبب فساد الاتحاد المصري للشطرنج”.
وكتب محمد منصور: “القضية ليست شروق فقط، بل اتحاد كامل يطرد الكفاءات ويحبط الأبطال. المطلوب تحقيق حقيقي ومحاسبة المسؤولين، لا اتهامات بالعمالة أو إنكار للواقع”.
الاتحاد يتوعد ووفا ترد
في تصريحات لوسائل إعلام محلية، أكد مصدر باتحاد الشطرنج أنه سيتم إيقاف اللاعبة وتجميد نشاطها لحين الانتهاء من التحقيقات بشأن ما صدر عنها من “تصريحات مسيئة”.
لكن وفا ردت بقولها: “موضوع الإيقاف مجرد امتداد للفساد. إذا كان هناك ما يستوجب التحقيق فهو فساد الاتحاد نفسه”.
تأخر حكومي معتاد
وبعد ساعات من تفجر الأزمة، أعلنت وزارة الشباب والرياضة تدخل الوزير أشرف صبحي بشكل مباشر “بعد ما أثير على مواقع التواصل الاجتماعي”. وأكد أنه لن يسمح بأي تقصير يمس الأبطال، لكنه لم يصف ما حدث بفساد أو إهمال.
وعقبت شروق وفا على البيان مؤكدة أن الوزير تواصل معها ووعد بالتحقيق في المشاكل الإدارية داخل الاتحاد، والتأكد من عدم تكرارها مستقبلًا.
سجل حافل بهروب الرياضيين
أزمة شروق وفا لم تكن الأولى، فقد أحصت “أحوال مصرية” هروب 11 رياضيًا خلال نحو عشر سنوات، دون أن تنجح الاتحادات أو الجهات الحكومية في إعادة أي منهم أو تقديم تفسير رسمي مقنع.
- 2016: هرب المصارع طارق عبدالسلام إلى بلغاريا وتوج باسمها بميدالية ذهبية.
- 2017: غادر المصارع أحمد حسن “بوشا” إلى المجر وحصل على جنسيتها، ثم تبعه إبراهيم غانم “الونش” إلى فرنسا حيث حصل على بطولة العالم.
- 2018: هرب عبد الرحمن مجدي، لاعب منتخب مصر للجمباز، إلى تركيا في أبريل من العام وحصل على الجنسية التركية وحصد عدة بطولات باسمها.
- 2019: لحق المصارع حسن حسن بشقيقه أحمد في المجر وشارك باسمها في بطولات عديدة.
- 2020: هرب فارس حسونة، لاعب رفع الأثقال المصري، وحصل على الميدالية الذهبية في أولمبياد طوكيو باسم قطر.
- 2022: حصل لاعب الإسكواش محمد الشوربجي في يونيو على الجنسية البريطانية ولعب باسمها، وفي أغسطس هرب المصارع محمد عصام فتحي أثناء مشاركته في معسكر في إيطاليا.
- 2023: هرب أحمد فؤاد بغدودة من معسكر المنتخب في تونس متجهًا إلى فرنسا، فيما قال والده إن ابنه لم يتلق من الاتحاد سوى مبلغ زهيد لا يتجاوز 2200 جنيه.
وأكد والد بغدودة أن نجله لم يتقاضَ سوى 2200 جنيه من الاتحاد، فيما صرح والد الكومي أن ابنه كان يحصل على 750 جنيهًا فقط، وهو ما اضطر الأسرة لتحمل ديون كبيرة.
أسباب الظاهرة
تناولت دراسة منشورة في مجلة بني سويف لعلوم التربية البدنية والرياضية ظاهرة هروب المصارعين المصريين، وأشارت إلى أن الدوافع متعددة ومتداخلة.
تأتي الأسباب المادية في المقدمة، حيث يعاني اللاعبون من ضعف الرواتب والمكافآت بشكل لا يتناسب مع حجم إنجازاتهم، مما يدفعهم للبحث عن فرص أفضل في الخارج.
تضاف الأسباب الإدارية، إذ يواجه اللاعبون غيابًا للدعم الفعلي وسوءًا في التخطيط. المحسوبية والبيروقراطية كثيرًا ما حرمتهم من المشاركة في بطولات كبرى، الأمر الذي أصابهم بالإحباط ودفعهم للتفكير في تمثيل دول أخرى.
وحول الأسباب الاجتماعية، يفتقد الرياضيون للتأمين الصحي والمعاشات بعد الاعتزال، ما يجعلهم يشعرون بعدم الأمان على مستقبلهم، خاصة عند مقارنة أوضاعهم بزملائهم في دول أخرى.
وأوصت الدراسة بضرورة توفير تغطية إعلامية مناسبة لإنجازات اللاعبين والعمل على حل مشكلاتهم بشكل فوري، إلى جانب تقديم تأمين صحي ومعاشات تكفل لهم حياة مستقرة بعد الاعتزال.
ورغم تلك الأسباب المتكررة، غير أن صرخة شروق وفا حددت سببًا رئيسيًا في رحلة الهروب الرياضي في مصر، وقالت إنه فساد غير مسبوق.
مقارنة دولية
في دول مثل ألمانيا وفرنسا، هناك آليات واضحة لدعم اللاعبين الموهوبين منذ الصغر، تشمل منحهم عقود دعم مالي، إقامة تعليمية ورياضية متوازنة، تأمين صحي شامل، وفرص تدريب متقدمة ضمن الأندية والمنتخبات الوطنية.
وفق تقرير من الاتحاد الأوروبي للرياضة، فإن هذه السياسات تُحافظ على استقرار المنتخب الوطني وتُسهم في زيادة الإنجازات الدولية.
أما في اليابان وكوريا الجنوبية، فتقدم الاتحادات الوطنية برامج متابعة مستمرة للرياضيين الموهوبين، تشمل مكافآت سنوية مرتبطة بالأداء، دعم نفسي، ورعاية بعد الاعتزال، بالإضافة إلى التأكيد على الانتماء الوطني والثقافة الرياضية.